مستشفى الذرة ... المسرح الخلفي لحديقة الموت !!

مستشفى الذرة
المسرح الخلفي لحديقة الموت !!
** الكثيرين ممن لقوا حتفهم في هذا المشفى واجهوا ظروفاً شبه متناقضة تعود لهذه الأسباب
** لا أحد يتخلى عن موقعه رغم الآثار السلبية التي بدت واضحة للعيان ولو كان المواطن هو الضحية
** لهذا المرض مسببات يعود معظمها إلى جهل المواطن وقصور الجهات الرقابية عن دورها 
** لستة الإنتظار تتطاول لنهاية العام والمرض لايرحم وإمكانيات الإسر محدودة
** المرضى يخضعون إلى إجراءات قاسية يتطلبها التعامل مع الإشعاع مما يجعلهم عرضة لتكرار تحملها عند إعادة الجلسات
** غياب التخصص في المستشفيات الحكومية والإهتمام بالصحة النفسية يشكل كارثة للبسطاء

الخرطوم : نبوية سرالختم – آسيا موسى
أحسسنا بشئ من الإرتباك والقصور والخجل إزاء مهنتنا كـ ( صحفيين ) ونحن نزور المستشفى المخصص لعلاج مرضى السرطان ( الذرة ), عندما أدركنا تورط مرضى هذا المشفى في مشكلات بالغة التعقيد لابد لحلها من بذل أقصى جهد , ولما كانت هذه المشكلة تخص قطاع مقدر من الشعب السوداني والذي منحنا وذمرة الصحافيين سلطة التحقيق مع من يقومون بخدمته من وزراء ومديرين للقطاعات المختلفة وعكس نتائج هذه التحقيقات بما يخدم مصلحته العليا في تحقيق أمنه وسلامته بمفهومهما العريض , أدركنا أن هذه المسئوليه لاقبل لنا على النهوض بها ذلك ان الصحافة السودانية رغم تقدمها الكبير في السنوات الأخيرة , لم تزل شديدة التخلف مما تشهده المؤسسات الخدمية بالبلاد من تطور في أساليب إخفاء المعلومات وتضييع الحقوق , ولم تصل بعد ( أي الصحافة ) إلى الطريق الناجع لعلاج الشرور المعقدة التي يشقى بها آمثال هؤلاء من المواطنين البسطاء . لذلك كان موقفنا ونحن في تلك الزيارة أشبه بموقف الطبيب الذي يشهد مريضاً بين الموت والحياة , دون أن يستطيع تشخيص الداء , أو وصف الدواء , عن غير طريق الحدس والتخمين , وكنا أيضاً أشبه بالطبيب في أنه يدرك شيئاً عن طبيعة المرض بصفة عامة كما يدرك أن معرفته لو تقدمت لأوصلته إلى تشخيص أوفى وعلاج أتم .
أدركنا ونحن نخرج من تلك الزيارة أنه لايسعنا غير العكوف على مالدينا من حقائق , والتظاهر أمام الناس وامام أنفسنا أننا نستطيع أن نقدم من آن لآخر رأياً يبشر بالخير , أو عوناً على الإنقاذ والتعمير , بدل ان نقف مكتوفي اليدين إزاء مشهد المأساة البشرية .
هنالك حكمة يرددها الجميع تقول : ( تتعدد الأسباب والموت واحد ) توحي بيقين ان الموت حق يصيب كل كائن على وجه الأرض مهما علا أو وضع شأنه إلا أن الموت في هذا المشفى ( الذرة ) له طابعه الممَّيز , والشئ الملفت للنظر أن الكثيرين ممن لقوا حتفهم فيه قد واجهوا ظروفاً شبه متناقضة تعود لمتلازمة الخلل الإداري والتطبيبي .
هذا الوضع دفع بعضاً ممن يعملون في هذا الموقع ( خفاءً ) لإلقاء الضوء على إشكالياته وإظهار حقائق كثيرة طالما بقيت طي الكتمان ومنها أن هناك شخصيات بعينها هي وراء تلك الإخفاقات لكن لا أحد يتخلى عن موقعه رغم الآثار السلبية التي بدت واضحة للعيان ولو كان المواطن هو الضحية الاولى والأخيرة .
السؤال الذي يطرح نفسه : أين الحكومة السودانية ممثلة في مجلس وزرائها ومن بعد وزارة الصحة مما يحدث في هذه المستشفى وعلى الوافدين إليه ؟ أليس هنالك أي تقدير من هذه المؤسسات وشاغلي مناصبها للمخاطر التي تنطوى على التجاهل المستميت لواقع الحال هناك ؟
يظل السكوت المخزي هو الإجابة الوحيدة أمام لستة إنتظار المرضى تجاه الأجهزة المتعطلة التي تتطاول حتى نهاية هذا العام والذي يليه إذا لم يلتقمهم وحش الموت الذي يترصدهم تحت حوائط هذا المبنى الهرم فاغراً فاهه تجاههم .. ويظل السكوت على المسببات هو الأنكى والأمر رغم أن التاريخ يقول ان تفشي مرض الطاعون كان سبباً رئيسياً في سقوط الإمبراطورية اليونانية وخسارتها لإسطولها وقدرتها وسيطرتها على العالم آنذاك كما كان مرض الملاريا سبباً لإنهيار الإمبراطورية الرومانية وكان لمرض الطاعون الذي ظهر في إنجلترا في القرن الرابع عشر كبير آثر على تجارتها وعلى القارة الأروبية بأكملها .
وقبل أن نعود إلى قصة مرضى هذا المرفق ومعاناتهم لابد وان نتعرف على مرض السرطان ومسبباته وطرق علاجه .. فالسرطان حسب المفهوم البسيط له : (هو خلل يحدث أثناء إنتاج الخلايا وتعويضها للجسم بدل عن الخلايا الميتة والتالفة فتنمو خلايا أخرى غير طبيعية مخالفة للكروموسومات الطبيعية فيحدث تكاثر غير طبيعي بدلاً من تعويض الخلايا التالفة فيحدث ورم وهو نوعان : نوع حميد وآخر خبيث (سرطاني ) والأخير هو المعني بتحقيقنا كونه يهاجم ويدمر الخلايا والأنسجة المحيطة به وله قدرة  عالية على الإنتشار إما عن طريق الأنسجة والخلايا المحيطة بالجزء المصاب أو عن طريق الجهاز الليمفاوي او عن طريق الدم ) . لهذا المرض مسببات كثيرة يعود معظمها إلى جهل المواطن بها بجانب قصور الجهات الرقابية المعنية بسلامة المستهلك عن أداء دورها خصوصاً ما يخص  الرقابة على المواد الغذائية فقد كشفت مصادر مطلعة لـ ( الشاهد ) عن وجود مادة برومات البوتاسيوم المسرطنة في المياه المعدنية وبنسب كبيرة يرجع سببها الأساسي إلى وجود مادة البروم في مصدر المياه يتأكسد عن تعرضه للأوزون المستخدم في التعقيم فيتم إنتاج مادة بروميد البوتاسيوم بنسب كبيرة وضحتها أجهزة الكشف المملوكة (فقط ) للدولة ممثلة في هيئة المواصفات والمقاييس وتقارير الكشف للعينات التي عبرت الحدود لدول أخرى على إثر تلك النتائج تم إيقاف عدد من المصانع المنتجة ولكن دون وقف الإعلان عنها وسحب منتجها من السوق وياتي على طريقة هذا المثال الحي احدى أنواع المشروبات الغازية والتي ثبت تلوثها بمادة الزرنيخ والرصاص وكلا المادتين مسرطنتين وقاتلتين ولاننسى فوارغ المبيدات التي تقبع داخل مخازن في المشاريع المروية بدون اي رقابة عليها وغيرها من المسببات والتي تذيد من عدد المرشحين للإصابة في الوقت الحالي والمستقبل .
إذا جئنا إلى طرق العلاج فنجد ان هنالك طريقتين للعلاج هما : العلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة فالعلاج الكيميائي عبارة عن أدوية ( مواد كيميائية ) مضادة للسرطان Anticancer drugs تسمى أيضا العقاقير المضادة للسرطان . تقوم هذه الأدوية بتدمير و القضاء على الخلايا السرطانية سريعة النمو و إيقاف نموها و انقسامها. فالخلايا السرطانية تنمو و تتكاثر و تنقسم بصورة سريعة فيعمل العلاج الكيميائي على عرقلة عملية انقسام الخلايا السرطانية و القضاء عليها.
و يقوم العلاج الكيميائي بتدمير الخلايا السرطانية في كل أجزاء الجسم على عكس العلاج الإشعاعي Radiotherapy الذي يقتصر فقط على تدمير الخلايا السرطانية في جزء محدد من الجسم.
أكثر من نصف المرضى المصابين بمرض السرطان يتلقون علاج كيميائي حيث يساعدهم على الشفاء من السرطان و التمتع بحياتهم. ويقوم الطبيب بوضع خطة للعلاج الكيميائي تختلف من مريض إلى آخر تبعا لعدة عوامل منها نوع الورم السرطاني، مكان الإصابة بالسرطان، الحالة الصحية للمريض، سن المريض.
ويقوم العلاج الكيميائي بتدمير و القضاء على الخلايا سريعة النمو. حيث أن الخلايا السرطانية سريعة النمو فتنمو و تتكاثر و تنقسم بمعدل أكبر من معدل نمو باقي خلايا الجسم الطبيعية، فان العلاج الكيميائي يقوم بتدميرها. و هناك بعض الخلايا الطبيعية في الجسم تنمو و تتكاثر طبيعيا بصورة سريعة، فلا يستطيع العلاج الكيميائي التفرقة بين تلك الخلايا الطبيعية و بين الخلايا السرطانية فيقوم بتدمير الاثنان. و يظهر ذلك في صورة الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي. لكن بعد انتهاء العلاج الكيميائي ينتهي هذا التأثير على الخلايا الطبيعية و تعود إلى طبيعتها.
و يوجد أكثر من نوع من أدوية العلاج الكيميائي حيث أن الخلايا السرطانية تنمو بدرجات متفاوتة. لذلك يختلف نوع الدواء الكيميائي تبعا لنوع الخلايا السرطانية و معدل نموها. كذلك كل دواء له طريقة عمل مختلفة و فعال في وقت محدد من دورة حياة الخلية السرطانية التي يستهدفها. لذلك يحدد الطبيب المختص نوع دواء العلاج الكيميائي المناسب لكل حالة.
وبعد شرح طرق العلاج يبقى سؤال هل تراعي كل هذه الأشياء عند تقديم العلاج لمريض السرطان في هذا المستشفى وهل عشرات المرضى الذين يتوافدون يومياً عند بوابته طلباً للعلاج عبر جهاز الإشعاع  المتعطل لايقبل مرضهم العلاج الكيميائي ؟ والأسباب التي تحول دون تصحيح وضعيه تعطل الجهاز الذي ترتتهن حياة الكثيرين عليه ؟ ولماذا لاتسعى إدارة الجودة بوزارة الصحة في تحسين بيئة المستشفى طالما ان هنالك معدات موجودة بمخازن المستشفى قدمتها منظمات خيرية يقال ان بعضها تسرب لصالح أشخاص ؟ وغيرها من الأسئلة التي كنا نرغب في الإجابة عليها من قبل إدارة المستشفى والتي طلبت منا عند الزيارة مدها بخطاب رسمي من الصحيفة وتم لها ما أرادت لكن لم توفينا حتى الآن بالرد الناجع .
فالمستشفى كما شاهدته أعيننا يعاني من تردي البيئة والخدمات وتضيق مساحته التي يقبع عليها مبنى بالي ومتهالك بالزائرين والذي يتدفقون عليه بمايذيد عن 20 حالة جديدة بالإضافة إلى ما يذيد عن 100 حالة لأخذ الجرعات والمتابعة .
وكشفت جولة ( الشاهد ) داخل المستشفى عن تكدس في صالات الإنتظار وابلغ ذوو المرضى معاناة مرضاهم جراء تعطل جهاز الأشعة قرابة الأسبوع مشيرين إلى معالجات تجريها إدارة المستشفى لمواجهة هذا التكدس منها تحويل الحالات لمستشفى ود مدني وإرجاء علاج بعضهم إلى أجل غير مسمى عبر لستة إنتظار تتجاوز نهاية العام الحالي واوضح بعضهم أن مرضاهم يخضعون إلى إجراءات قاسية يتطلبها التعامل مع الإشعاع مما يجعلهم عرضة لتكرار تحملها عند إعادة الجلسات بسبب تعطل الجهاز أو إنقطاع التيار الكهربائي .مشيرين إلى ان مرضاهم يعانون من هذه الظروف في ظل محدودية دخولهم خصوصاً وان أغلبهم جاء من ولايات أخرى لايتحملون في ظلها الإنتظار أو الإنتقال لولاية أخرى لطلب العلاج .
وأخيراً لابد وان نشير إلى الوصمة الإجتماعية تجاه مرض السرطان وقله الوعي ودوره في تفاقمه بجانب غياب مؤسسات الرعاية الإجتماعية والصحية عن أداء دورها تقول الباحث الإجتماعية حنان الجاك : إذا أخذنا في البداية الثقافة الصحية للمواطنين نجد انها ضعيفة جداً فالأمراض ترتبط في ذهنية الكثيرين بالخوف منها دون التبصر بالأسباب الحقيقية التي تقف وراءها كما ان مفهوم الوقاية من التعرض لأى مخاطر صحية ايضاً ضعيف جداً لان المجتمع غير مهيئ صحياً على المستوى الإجتماعي والسياسي لتلافي الأخطار قبل وقوعها فالترهل الإجتماعي يأخذ مساحات واسعة من التفكير السوداني وأضافت : أعتبر إنتشار وباء متعلق بصحة الإنسان إدانة للمؤسسات الصحية وللنظام السياسي الذي لايهتم بإصحاح البيئة والنواحي المسببة لإنتقال الأمراض بجانب عدم الإهتمام بوضع ميزانيات مخصصة لهذه الأنواع من الامراض وتوفير العلاج المناسب لها وتذهب إلى أن واقع الحال في السودان يقول أننا نتعامل بمنطق اللامقبول تجاه المصابين وندخلهم في واقع نفسي حرج بعزله عن المجتمع الذي يعرضه بدوره للقلق والإكتئاب وبذلك نكون قد تسببنا في الكثير من الكوارث الصحية لان خاصية البحث وتقصي الحقائق المتعلقة بالصحة العامة ضعيفة جداً في التركيبة النفسية للإنسان السوداني فكما قالت أن الفكر مازال بدائي في مايخص التعامل مع البيئة الصحية فمازال يمثل العدو الأول لنفسه صحياً وبيئياً وتذهب إلى أن مايذيد إنتشار مثل هذ الأوبئة عدم وجود تخطيط إستراتيجي عبر مراكز بحث متخصصة لإكتشافها المبكر ومن ثم الوقاية الكاملة للمجتمع منها لكن كما قالت يحدث العكس لغياب الوعي الصحي والمسئولية الصحية والحس الكارثي لذلك يتعرض الإنسان مع ثقافته الضحلة تجاه صحته للإصابة وتتطور المرض وتكتمل دورة نموه ويتفاجأ به وعند الإكتشاف يجد ان لا أحد يستطيع التعامل معه وبالتالي يتسبب في كارثة إجتماعية فتهتز حياته الأسرية والإجتماعية من خلال إصابة تعرض لها بمحض إرادته أو نتيجة لتلوث بيئي ومع هذا فإننا نفتقد لثقافة إدانة المواطن بمعنى لايوجد جهة ما يمكن أن يلجأ إليها المتضرر ليقاضي الجهات المسئولة بالتالي يتحول المريض إلى شخص ضعيف مسلوب الإرادة كما ويقاضيه المجتمع بالعزلة التامة ولأن الصحة النفسية لدى الشخص السوداني لاتأخذ حيزاً في تفكيره يكون الإسقاط لها على حساب الجانب المعنوي الذي يحتاجه المريض ليصمد ويسترد ثقته لفتح قنوات المعالجة ولكن للأسف لانستشعر الخطر الإ بعد فوات الأوان لأننا مجتمع ( فرجوي ) لايمتلك إلا التشخيص بسخرية وقتل الإنسان معنوياً وبلارحمة والذي يقود صراعاً مريراً مع المؤسسات الطبية والعلاجية لتوفير العلاج في ظل عدم وجود التأمين الصحي والغياب التام للجهات المختصة في معالجة السلبيات والتناقضات الصحية التى كما قالت تتبلور في عدم وجود ثقافة الكشف الدوري للصحة العامة بإعتبار انها حالة من الرفاهية مع غياب المعامل المتكاملة والمتخصصة وغياب التخصص في المستشفيات الحكومية وغياب الصحة النفسية في المؤسسات الصحية مما يشكل كارثة للبسطاء كما اننا مازلنا نجهل مسائل الدعم المعنوي للمريض ومازالت مستشفياتنا لاتتعامل بالمردود الصحي الإيجابي لمن ياتي إليها لهذا يتحول البيت إلى مستشفى مدمر يتضاءل من خلاله الأمل في العلاج وتذداد الفجوة النفسية بين المصاب واسرته والمجتمع .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم