الفلاريـا وبـاء ينخر في جسد المواطنين(2-2)


إعترفت به وزارة الصحة
الفلاريـا وبـاء ينخر في جسد المواطنين(2-2)
** منسق برامج الفلاريا : وبائية المرض بالبلاد تمثل خمسين أضعاف ماحددته منظمة الصحة العالمية
**  أخصائي تجميل : الجراحة التجميلية قد تكون مجدية لكن !!
** باحثة إجتماعية  : الإنسان السوداني مازال العدو الاول لنفسه صحياً وبيئياً
خبير إقتصادي : المصاب معرض للإقصاء والحرمان الإقتصادي وهنالك سلبيات تنطوي على إعتراف الدولة
 
تحقيق : نبوية سرالختم
لفتت نظري من على البعد وأنا أتوجه صباحاً على طريق الإسفلت المقابل لموقع سكني بالكلاكلة شرق ( ود عمارة ) صوب (الصحيفة) .. فتاة في العقد الثاني من العمر تسير متثاقلة في مشيتها وهي تتعثر على إحدى رجليها وكأن شيئاً ثقيلاً معقوداً عليها .. أثارت إنتباهي فمشيتها لم تكون عادية .. كنت أراقبها من البعد وانا أسير في مواجهتها علها تكون مريضة وفي حاجة لتقديم يد العون .. إقتربت خطواتي منها فنظرت إلى وجهها وهي تسير على غير هدى فتبينت عليه علامات الإعياء وهي في ملابسها الرثة نظرت إلى أسفل .. دهشت كثيراً بل أصبت بما يشبه الصدمة عندما رأيت ضخامة أرجلها والتى إختفت معالمها وصارت على شكل كتلة كبيرة .. كانت صدمتي أكبر عندما شاهدت جموع الناس ينظرون إليها بالقرب من منازلهم ومتاجرهم وكانها كائن غريب وهم يتبادلون النظرات والحديث الهامس .. نظرت إلى ملياً ونظرت إليها وواصلت طريقي ثم واصلت طريقها وهي تجرجر كتلتها التى تتدلى تحتها بالأسفلت محدثة قروحاً دامية ...
كانت تبتعد عني شيئاً فشيئا وهي تتزحزح على خطوات صغيرة لكنها في نفسي شيئاً من الحزن على مصيرها وهي في مقتبل العمر وخوفاً من إحتمالات العدوى التى أحسست بقربها من موقع سكني فطفقت فور وصولي ( الصحيفة ) أبحث عن هذا المرض الذي لا أعرف عنه الكثير سوى أنه يسمى داء الفيل ( الفلاريا) وينتقل عن طريق الباعوض ( أنوفلس – كيولكس ... )  والتى تتزاحم بكثرة في منطقتنا خصوصاً عند المساء .
** من المسئول ؟
وجدت بعدد من المواقع الإلكترونية الكثير من المعلومات العلمية منها أنه عبارة عن تضخم غير عادي لأى جزء من الجسم نتيجة لإسنداد القنوات الليمفاوية وعادة تكون بالأرجل والثديين والأذرع والأجهزة التناسلية والإصابة تكون قاصرة على الإنسان وحده تنتقل إليه بواسطة لدغة الباعوض والتى يكون لعابها محملاً بالديدان المسببة للمرض .
ويورد الموقع نفسه معلومات عن إنتشار المرض في العالم والتى تقول بأن هنالك أكثر من بليون مصاب يعيشون في أكثر من 80 دولة وأكثر من 40 مليون منهم وصلوا إلى مراحل متقدمة من المرض كما وأن المرض يتوطن في المناطق الإستوائية وتحت الإستوائية مما يجعل ثلث المصابين يعيشون بأفريقيا .
بعد إطلاعي على هذه المعلومات تزاحمت في رأسي كمية من الأسئلة والتى تتعلق بموقع السودان من خارطة المرض العالمية ونسب إنتشاره في الولايات بجانب خطورة المرض وهل يمكن الشفاء منه والمعالجات المعموله من قبل الجهات المختصة ممثلة في وزارة الصحة في الحد من إنتشار المرض في ظل تواجد الناقل الرئيسي له وهو الباعوض بأنواعه المختلفة وهو متواجد في البيئات السودانية بكثرة بجانب هل يمكن للجراحة التجميلية ان تعالج هذه التشوهات ونسبة نجاحها وأخيراً الوصمة الإجتماعية تجاه المرضى ودور مؤسسات الرعاية الإجتماعية والإنعكاس السلبي لتذايد المرض على إقتصاديات الدولة .
طفقت أبحث من مصادري عن جهة بعينها تكون هي المسئولة عن محاصرة هذا المرض في السودان وبعد بحث ليس بالطويل توصلت إلى أن بوزارة الصحة الإتحادية هنالك إدارة عامة للطب الوقائي تندرج تحتها إدارة أخرى تسمى إدارة الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات وهذه الأخرى تندرج تحتها إدارة ثالثة هي البرنامج القومي لمكافحة الفلاريا واللشمانيا والإسم الأول هو موضوع تحقيقي والأخير يحتاج هو لتحقيق آخر وعلمت من ذات المصادر أن المنسق القومي لهذه الإدارة يدعى دكتور رحمة التيجاني تحصلت على تلفونه الخاص إتصلت عليه لم يبخل بالرد وأبدى جاهزيته للإجابة لكن بعد تصريح من وزارة الصحة وبالفعل تحصلت على تصريح الوزارة بعد مخاطبة صحيفتي لها وتحققت بعد ذلك المقابلة ( وهنا تردد في خاطري سؤال كيف يمكن ان تحدث التوعية الشاملة بالمرض إذا كان هنالك تقييد على المصدر الرسمي للمعلومة بهذا الشكل ؟ ولماذا التقييد ؟ ) ... لم أسعى للإجابة فقد إنشغلت بما سبق من أسئلة والتى أجاب عن بعضها دكتور رحمة التيجاني في الحلقة الأولى من هذا التحقيق إجابة مستفيضة حول تعريف المرض وطرق إنتقاله ودورة حياة الطفيل المسبب له وصولاً إلى أعراضه ومن ثم تاريخ إكتشاف المرض في السودان وعوامل إنتشاره وأخيراً الوضع الراهن بالبلاد والتى كما قال وصلت مرحلة الوباء ببلوغ نسبة الإنتشار اكثر من 50 % بالولايات الشمالية بعد ان غطى كل الولايات الجنوبية .
وسنجيب في هذه الحلقة على بقية الأسئلة المتعلقة بهل يمكن للجراحة التجميلية ان تعالج هذه التشوهات ونسبة نجاحها والوصمة الإجتماعية تجاه المرضى ودور مؤسسات الرعاية الإجتماعية والإنعكاس السلبي لتذايد المرض على إقتصاديات الدولة .
يقول أخصائي التجميل بمستشفى أم درمان التعليمي دكتور أسامة عثمان : الجراحة التجميلية قد تكون في بعض الأحيان مجدية لكنها تتطلب إجراء عدد من العمليات المعقدة والمكلفة .
** غياب مؤسسات الصحة والرعاية
وفي ما يخص الوصمة الإجتماعية تجاه المرض وقله الوعي ودوره في تفاقمه بجانب غياب مؤسسات الرعاية الإجتماعية والصحية عن أداء دورها تقول الباحث الإجتماعية حنان الجاك : إذا أخذنا في البداية الثقافة الصحية للمواطنين نجد انها ضعيفة جداً فالأمراض ترتبط في ذهنية الكثيرين بالخوف منها دون التبصر بالأسباب الحقيقية التي تقف وراءها كما ان مفهوم الوقاية من التعرض لأى مخاطر صحية ايضاً ضعيف جداً لان المجتمع غير مهيئ صحياً على المستوى الإجتماعي والسياسي لتلافي الأخطار قبل وقوعها فالترهل الإجتماعي يأخذ مساحات واسعة من التفكير السوداني وأضافت : أعتبر إنتشار وباء متعلق بصة الإنسان إدانة للمؤسسات الصحية وللنظام السياسي الذي لايهتم بإصحاح البيئة والنواحي المسببة لإنتقال عدوى الأمراض بجانب عدم الإهتمام بوضع ميزانيات مخصصة لهذه الأنواع من الامراض وتوفير العلاج المناسب لها وتذهب إلى أن واقع الحال في السودان يقول أننا نتعامل بمنطق اللامقبول تجاه المصابين وندخلهم في واقع نفسي حرج بعزله عن المجتمع الذي يعرضه بدوره للقلق والإكتئاب وبذلك نكون قد تسببنا في الكثير من الكوارث الصحية لان خاصية البحث وتقصي الحقائق المتعلقة بالصحة العامة ضعيفة جداً في التركيبة النفسية للإنسان السوداني فكما قالت أن الفكر مازال بدائي في مايخص التعامل مع البيئة الصحية فمازال يمثل العدو الأول لنفسه صحياً وبيئياً وتذهب إلى أن مايذيد إنتشار مثل هذ الأوبئة عدم وجود تخطيط إستراتيجي عبر مراكز بحث متخصصة لإكتشافها المبكر ومن ثم الوقاية الكاملة للمجتمع منها لكن كما قالت يحدث العكس لغياب الوعي الصحي والمسئولية الصحية والحس الكارثي لذلك يتعرض الإنسان مع ثقافته الضحلة تجاه صحته للإصابة وتتطور المرض وتكتمل دورة نموه ويتفاجأ به وعند الإكتشاف يجد ان لا أحد يستطيع التعامل معه وبالتالي يتسبب في كارثة إجتماعية فتهتز حياته الأسرية والإجتماعية من خلال إصابة تعرض لها بمحض إرادته أو نتيجة لتلوث بيئي ومع هذا فإننا نفتقد لثقافة إدانة المواطن بمعنى لايوجد جهة ما يمكن أن يلجأ إليها المتضرر ليقاضي الجهات المسئولة بالتالي يتحول المريض إلى شخص ضعيف مسلوب الإرادة كما ويقاضيه المجتمع بالعزلة التامة ولأن الصحة النفسية لدى الشخص السوداني لاتأخذ حيزاً في تفكيره يكون الإسقاط لها على حساب الجانب المعنوي الذي يحتاجه المريض ليصمد ويسترد ثقته لفتح قنوات المعالجة ولكن للأسف لانستشعر الخطر الإ بعد فوات الأوان لأننا مجتمع ( فرجوي ) لايمتلك إلا التشخيص بسخرية وقتل الإنسان معنوياً وبلارحمة والذي يقود صراعاً مريراً مع المؤسسات الطبية والعلاجية لتوفير العلاج في ظل وجود التأمين الصحي في ظل الغياب التام للجهات المختصة في معالجة السلبيات والتناقضات الصحية التى كما قالت تتبلور عدم وجود ثقافة الكشف الدوري للصحة العامة بإعتبار انها حالة من الرفاهية مع غياب المعامل المتكاملة والمتخصصة وغياب التخصص في المستشفيات الحكومية وغياب الصحة النفسية في المؤسسات الإجتماعية مما يشكل كارثة للبسطاء كما اننا مازلنا نجهل مسائل الدعم المعنوي للمريض ومازالت مستشفياتنا لاتتعامل بالمردود الصحي الإيجابي لمن ياتي إليها لهذا يتحول البيت إلى مستشفى مدمر يتضاءل من خلاله الأمل في العلاج وتذداد الفجوة النفسية بين المصاب واسرته والمجتمع .
** سلبيات الإعتراف  
أما فيما يتعلق بالأثر الإقتصادية لظهور مرض الفلاريا على شخص معين وعلى الدولة المعترفة به رغم انه قد يجلب لها الحل من الكارثة المحققة التى ستتعرض لها بتوفير  التمويل والدواء يقول خبير إقتصادي معروف فضل حجب إسمه : أنه من المؤكد ان يتعرض الشخص المصاب إلى مضايقات في العمل عند الإصابة وظهور الأعراض ويشير إلى ان إصابة اجزاء ظاهرة من جسم الإنسان كالوجه والعينين يجعله غير مقبول إجتماعياً كما انه يعيق حركة التواصل مع الآخرين وهذه مهمة من ناحية إقتصادية ويشير إلى أن المجتمع السوداني تراجعت فيه قيم التكافل واًصبح يعتمد في أغلب إقتصادياته على الفرد مما يجعل المصاب عرضة للإقصاء والحرمان الإقتصادي اما إذا وصل لمراحل متأخرة من المرض فإن الإعاقة هي نصيبه فكما هو معروف للكثيرين عدم فعالية مؤسسات الضمان الإجتماعي في الوصول للفقراء والمعدمين في اماكن تواجدهم ويشير إلى أن القادرين على طرق أبوابها يعانون الأمرين في الحصول على مبالغ ( تافهه ) لغرض الإعاشة والعلاج ويضيف إلى ذلك أن نظام الضمان الصحي عن طريق هذه المؤسسات تراجع حتى في المستشفيات الكبرى وأصبح موظفو المكاتب الإجتماعية يتسولون نيابة عن المرضى غير القادرين الذين يطرقون أبواب مكاتبهم من معارفهم وأصحابهم
ويشير إلى أن الدولة لن تعترف بوجود هذا المرض سياسياً حتى وإن أنهى آخر مواطن وذلك حسب مقتضيات هذا الإعتراف والذي سيضعها موضعاً تتأثر منه الكثير من الجوانب أكثرها في مجال الإستثمار والذي تحاول الىن جل جهدها في جذبه لها بعد الحروب والنزاعات الطويلة التي شهدتها البلاد والتى دفعت الكثير من المستثمرين للهروب بعيداً خوفاً على أنفسهم وإستثماراتهم في ظل ما يروج عن غياب الأمن بالبلاد .
 واخيراً حتى نطوق الفلاريا وغيرها من الامراض الوبائية التي تنخر في جسد المواطنين ينبغي تفعيل دور المؤسسات الإجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وإستشعار الجهود الصحية بوزارة الصحة وتوابعها لتقديم دراسة متكاملة عن الوضع الصحي في السودان كما ينبغي على اجهزة الإعلام المختلفة تقديم رسالة إرشادية متكاملة للمسئولين بالدولة ليتعرفوا على حقيقة الوضع الصحي حتى لاتحدث تجاوزات صحية ويغيب دور المسئول كما يجب تغيير النظام الصحي بالمستشفيات وتأهيل العاملين في الحقل الصحي حتى لاتؤدي مثل هذه المخاطر الصحية إلى واقع مزري يكلف الدولة ميزانية ضخمة فالدراسة المبنية على أسس علمية ومنهجية ينبغي ان تكون أول خطوة لتصحيح المسار الصحي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم