غياب الوعي



غياب الوعي ابرز المخاطر
كيف تتفادي البلاد العنف الانتخابي

الخرطوم : نبوية سرالختم
يتساءل الباحث الأروبي آريال دورفمان  قائلاً : (كيف نستطيع ان نبقي الماضي حياً دون أن نقع أسرى له ؟ وكيف يمكن ان ننساه دون ان نخاطر بتكراره في المستقبل).
هذا الواقع الذي يتحدث عنه آريال يعكس أوضاع مايعرف بمجتمعات مابعد النزاع والتي تتعايش فيها مشاعر ورغبات وإتجاهات شتى .. تتراوح بين الرغبة في نسيان الماضي والعيش فيه .. سيادة مشاعر التسامح والرغبة في الإنتقام .. الثقة في المستقبل والشك فيه ...  القبول والرفض للمساومة التاريخية التي تمت و الإقدام على عملية الإصلاح الشامل والرفض أو التلكؤ فيها ..
  أن مجتمعات ما بعد النزاع يجب أن تعامل مثلما يعامل المريض في مرحلة النقاهة , فهو تجاوز مرحلة الخطر وخرج من غرفة الإنعاش , لكنه لم يشف تماماً من المرض , وإذا لم يجد الرعاية والعناية التمريضية اللازمة يمكن ان ينتكس .
ماتساءل عنه دورفمان هو محور سؤال المرحلة (المفصلية) الراهنة في تأريخ السياسة السودانية وهي مرحلة الإنتخابات بعد فترة إنتقاليه تلت  اطول حرب اهليه شهدها السودان وعليه جاء تصنيفه دولياً ضمن الدول التي تقع تحت تعريف (مجتمعات ما بعد النزاع) ومن ثم فإن إحتمالات وقوع عنف إنتخابي في أشكاله المختلفة   في حكم الوارد رغم عدم ورود تقارير رسميه عن  أعمال عنف مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات في مراحلها السابقة لكن مايزيد تلك الإحتمالات مخاوف من تزوير نتائج العمليه وتلميح فصائل متمردة رافضة للعملية بإعتبار الموظفين في هذه العملية جنود أعداء , وتوقعات بخلق التشديدات الأمنيه حول مراكز الإقتراع والإنتشار الواسع لأفراد الاجهزة الامنيه في زيهم الرسمي مخاوف لدى المقترعين تفضي إلى عدم المشاركة  بعد الجدل السياسي الكثيف الذي صاحب التجهيزات للعمليه وتهديدات بعض ماتوصف بالاحزاب الرئيسة بالمقاطعة .
ماسبق يجعلنا نتساءل هل يمكن ان يصنف المجتمع السوداني على أنه مجتمع ما بعد نزاع أم مجتمع نزاع وهل يمكن ان يكون هنالك عنف إنتخابي أم لا على ضوء مواصفات الشخصية السودانية السياسية والعامة ؟ وما المقصود بالعنف الإنتخابي ؟ وماهي أشكاله ؟ وماهو الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في التقليل من إحتمالات العنف ؟
 يقع السودان ضمن (مجتمعات ما بعد النزاع )عند البعض بينما هو في نظر البعض الآخر ما يزال ضمن التي تعيش مرحلة النزاع , فالذين تعاملوا مع الحرب الاهلية في الجنوب إعتبروا توقيع إتفاق السلام الشامل والوقف الكامل لإطلاق النار في الجنوب والدخول في المرحلة الإنتقالية بترتيباتها المختلفة الانتقال إلى مرحلة بعد النزاع , بينما هنالك من ينظر إلى ان النزاع في دارفور ومناطق اخرى من كردفان يجعل السودان واقعاً في إطار مجتمعات النزاع و على كل فإن من مواصفات مجتمعات مابعد النزاع تتمثل حسب المختصين في هشاشة المؤسسات وضعف الثقة بين الاطراف السياسية والإجتماعية المكونة للمجتمع بجانب تردد الممارسات السياسية والتنفيذية بين النهج الشمولي والديمقراطي وضعف آليات الحوار أو غيابها ومن ثم القابلية للتوتر واللجوء للعنف .
وإذا إنتقلنا للحالة السودانية نجد ان إتفاقية السلام الشامل ودستورها وهما المرجع الأساسي للفترة الإنتقالية إعترفتا ضمنياً بوجود هذه المواصفات واجتهدتا في توفير المعالجات اللازمة لها رغم تبادل الشركاء للإتهامات خلال تلك الفترة تشير بوجود تعثر في تنفيذ إلتزامات الأطراف وكانت مصدر تشاكس بينهما .
وياتي ظرف الإنتخابات ليكون سبباً آخر محتملاً لوجود العنف فمع حالة عدم الإستقرار وهشاشة المؤسسات والخصومات الحدية بين اطراف اللعبة السياسية واجواء عدم الثقة في بعضها البعض وفي مفوضية الإنتخابات وغياب ثقافة الديمقراطية لعقود طويلة ووجود مجتمعات سياسية مسلحة والتسييس الإثني والقبلي تجعل تفجر العنف أمراً محتملاً مما يجعلنا نتساءل عن ماهيه العنف الإنتخابي وأشكاله
يقول ضابط مشروع اللاعنف بالمنظمة السودانية للتنمية واللاعنف رأفت حسن عباس : تعريف العنف الإنتخابي  انه أي عمل أو تصرف يسئ أو يعرقل سير العملية الإنتخابية او وصول الناخبين ويؤدي إلى عدم نزاهة الإنتخابات او تغيير رأى الناخب حين التصويت وفي بعض الأحيان يؤدي إلى عدم إجراء الإنتخابات وإختناق فضاء الديمقراطية وتنعكس العملية في النهاية لصالح طرف معين تؤثر  وتغير ميزان القوى بين الاطراف المشاركة وهو احد الخيارات المتوفرة لدى مرشحي الاحزاب للتأثير على نتائج العملية وعن أنواع العنف الإنتخابي يقول رأفت هنالك نوعين هما العنف المعنوي والعنف الجسدي فالأول يشمل التهديد اللفظي ضد أي شخص يشرف او ينظم او يشارك في الإنتخابات بجانب التحريض اللفظي وإثارة الكراهية والبغضاء والإبتزاز والإهانة والضغط على موظفي سير الإنتخابات ووكلاء الكتل وتبادل التهم التي تدعو للصراع الطائفي وبث خطابات متضمنه وفرض قيود على حملات مرشحين معينين دون غيرهم وإحتكار ادوات السلطات لتخويف الآخرين اما العنف الجسدي فيتمثل في الإعتداء والقتل للمرشحين أثناء حملاتهم الإنتخابية وممارسات الخطف والضرب للناخبين او الموظفين أثناء الفترة الفترة الزمنية لسير عملية الإنتخابات من تسجيل للمرشحين والناخبين ودعاية إنتخابية وتصويت وعد وفرز وإعلان النتائج بجانب تدمير الممتلكات المنقولة وغير المنقولة وتمزيق البوسترات وإزالة الخيم وإحداث الضرر بالمراكز الإنتخابية وتهديد الناخبين والموظفين ومنعهم من العمل والإنتخاب .
ماسبق من أشكال عنيفه لابد وان يكون لها دوافع معينة مثل إنعدام سيادة القانون والعدالة في المجتمع وشيوع روح القبلية وتسييسها وعدم قبول الآخر وإنعدام ثقافة وتقاليد الديمقراطية وغياب روح الحوار وعن تلك الدوافع يقول رئيس قسم علم النفس بجامعة أفريقيا العالمية دكتور نصر الدين أحمد إدريس لـ " الصحافة " : ان السلوك العنيف ياتي نتيجة لردود أفعال نفسية تجاه مواقف متعددة ويمكن ان يرتبط بفرد أو جماعة ويتفق نصر الدين في تصنيف أنواع العنف مع رأفت في انه قد يكون لفظي كالإساءة للآخرين بوصمهم بصفات غير حميدة بجانب العنف الجسمي او الجسدى والذي يرتبط بالإعتداء وإستخدام القوة ضد الآخرين وإيقاع الأذى المباشر بالآخرين اما العنف المادي أو الإقتصادي وهو خاص بتحطيم ممتلكات الآخرين ويعتقد إدريس أن الأسباب السياسية هي الأكثر إحداثاً للعنف والفوضي وهذا نتيجة للإحتقان والصراع وإختلاف وجهات النظر بجانب سوء إدارة ما يتولد عن ذلك من ازمات بين المؤسسات السياسية سواء كانت احزاب أو تنظيمات حاكمة فغياب الوعي والمسئولية الإجتماعية في ظل عدم قبول الآخر والتعصب السياسي وتعميم الأفكار يمكن ان نعتبرها من العوامل المسرعة بحدوث أعمال عنف ويضيف نصر الدين : ففي موسم الإنتخابات وهو مانعايشه الآن يمكن ان تحدث بعض المشكلات فالتفاعل الإنتخابي يرفع معدل حرارة التنظيمات السياسية والتى تحاول ان يظهر بعضها طرحه على حساب الآخر برؤية إقصائية مما يؤدي إلى إستخدام الآخر لنفس الإسلوب وبالتالي يظهر العنف وفيما يتعلق بتفاعل الشخصية السودانية السياسية والعامة من خلال صفاتها المعروفة مع مثل هذه العوامل يقول : الشخصية السياسية السودانية ليس لديها تجربة سياسية مستقرة فتجارب الحكم ككل التى مر بها السودان منذ الإستقلال أسهمت في عدم وجود نضج سياسي وهذا يوقع مسئولية اكبر على التنظيمات السياسية والقادة السياسيين بان يضعوا مصلحة الدولة فوق اهداف ومصلحة التنظيم أن تقدم مكاسبها على المكاسب الحزبية فهذه الإنتخابات تشكل أول تجربة لجيل كامل فمن الأولى ان يخوضها حتى يستطيع ان يتفادى أخطاءها في المراحل القادمة ويشير إلى أن قراءته للشخصية السودانية العامة تؤكد انها مسالمة لدرجة كبيرة ولديها درجات من الوعي والذكاء تستطيع من خلاله الإستفادة من الأحداث السابقة مثل أحداث الإثنين التى تلت مصرع زعيم الحركة الشعبية جون قرنق والتى تعتبر لديه تجربة يجب ان لاتعاد بجانب ان الدولة لديها مسئوليات وتجهيزات جارية اخذت حيزها الكامل لكن يجب ان يكون هنالك توزان لحفظ المعادلة الأمنية ففي نظره ان الحشود الأمنيه الكثيفة بدرجة غير واقعية توحي للآخرين أن هنالك احداث قادمة فيؤثرون الهروب بالذهاب إلى الأقاليم النائية والإبتعاد عن مصادر الخطر بجانب إمتناعهم عن الذهاب للتصويت ويعتقد إدريس أنه لاقضاضة في ذيادة عدد افراد تأمين العملية الإنتخابية لكنه يشترط ان يكون الأغلبية في لباس مدني والأقلية في لباس رسمي حتى تحفظ المعادلة الأمنية حتى يسير تأمين العملية بالصورة المطلوبه .
مما سبق يتضح لنا ان هنالك ادوار محددة يمكن ان تلعبها جهات بعينها ممثلة في التنظيمات والسلطات الأمنية والمواطنين أنفسهم لكن هنالك دور خطير يمكن ان تلعبه جهة ما في توجيه كل هذه الأطراف إما إلى العنف أو اللا عنف هذه الجهة هي الاجهزة الإعلامية والتي إعترفت بدورها الكثير من الدراسات والبحوث الدولية وبرامج الدعم المصاحبة للمساعدات الدولية لمجتمعات مابعد النزاع والديمقراطيات الجديدة والمستعادة وينبع هذا الإعتراف من إهتمامها بالمجتمعات سلباً وإيجاباً من خلال تشكيلها للصورة الذهنية ونقلها عبر الزمان والمكان وتكوين صورة الاخر عند الذات وبالعكس كما انها الآداة التي يتم عبرها نقل المعلومات والأفكار والمواقف وبها تعاد صياغة القلوب والعقول ففي ورقة علمية عن دور الإعلام في تقليل العنف الإنتخابي للكاتب الصحافي فيصل محمد صالح قدمها في ورشة عمل نهاية الإسبوع الماضي أقامتها المنظمة السودانية للتنمية واللاعنف  نجده قال : ولأن الأجهزة الإعلامية لاتستطيع الإفلات من النظام السياسي الموجود فإنها وفي حالات الحرب والنزاع يتم إستخدامها للتحريض والتعبئة والتجنيد والإستنفار وحتى تلعب هذا الدورفهي تميل إلى رسم صورة ذهنية سالبة للآخر وتبدأ من صورة المختلف , المستبد , الظالم , العميل , الخارج , الحاقد وتنتهي بأبعد صورة ذهنية سالبة يتجسد فيها كل الشر وغالباً يتم إستخدام الرموز الدينية والإجتماعية والثقافية والأيديولجية لترسيخ هذه الصور والهدف النهائي كما يقول : هو خلق مشروعية كاملة لحالة محاربة الىخر وهزيمته ولايتم خلق هذه الصورة بين يوم وليلة ولكنها تمر بمراحل بناء متدرجة يصعب بعد ذلك هدمها في ليلة ويستشهد بالدور التحريضي الذي لعبته محطة إذاعة رواندية شهيرة في المذابح التى تعرضت لها إثنية  التوتسي والمعتدلين من الهوتو في رواندا فقد لعب راديو ريتليم في كيقالي دوراً في تحريض المدنيين والقرويين الهوتو لملاحقة وذبح وقتل مجموعات التوتسي إلى جانب ذلك تعمل الأجهزة الإعلامية على تقديم إيجابيات الطرف الذي تؤيدة أو يملكها وتخفي السلبية وتشوه مواقف الآخر وعلى غير ذلك يرى ان الإعلام يمكن ان يلعب دوراً إيجابياً يعمل على نقل المجتمعات إلى موقف أكثر تقدماً تنفتح فيه الأبواب وتبدأ عملية حوار إجتماعي واسع لمداوة الجروح وتجاوز مشاعر الألم وتهيئة الناس والأرض لتجربة سياسية وإجتماعية جديدة والقبول بالعملية الإنتخابية ونتائجها  بأن تسير جنباً إلى جنب مع جهود الإصلاح السياسي لتجسير الهوة بين مكونات المجتمع وتطوير النقاش السياسي في ظل قناعة الاطراف بمصداقيتها .ويشير فيصل إلى أن هنالك مسئوليات كبيرة تقع على عاتق أجهزة الإعلام السودانية من اجل المساعدة في عملية بناء السلام والمصالحة الوطنية ومنع ومكافحة العنف الإنتخابي تتمثل في أن يكون السلام والمصالحة والقبول بنتائج العملية الديمقراطية هو جوهر رسالتها وان تقدم هذه الرسالة بمهنية عالية بدافع ان الحقيقة لاتضر وإشاعة ثقافة السلام ونبذ العنف بجانب العمل على تغيير الصورة الذهنية السالبة المرسومة عن الآخر وتقديمه كإنسان مثله مثل الآخرين وتهيئة نفوس الناس لقبول تولي أى طرف فائز مهما كان للسلطة بجانب التركيز على الجانب الإيجابي للتنوع وتشجيع الحوار بين مكونات المجتمع وإحترام ومعتقدات وثقافة الآخر ويؤكد ان هذا العمل يجب أن لايكون مرحلي بل يجب ان يكون جزء من  إستراتيجية شاملة على هدي إتفاق السلام الشامل والدستور الإنتقالي يعمق قيم الحوار والمصالحة والديمقراطية وينبذ الكراهية والتحزب الأعمى الذي يضر بالحقيقة ويبعد عن الموضوعية .       















تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم