محاذير على الطريق



محاذير على الطريق
الخرطوم والخريف... الامتحان الصعب
تحقيق : نبوية سرالختم
تواجه العاصمة الخرطوم خريف هذا العام حسب مختصين أمطاراً فوق المعدل الطبيعي مما يجعلها مهددة بالعديد من التحديات فهطول أمطار بمعدلات عاليه ولساعات طويلة سيؤثر على مناطق عديدة تشمل المدارس والمنازل والأحياء الطرفية وتلك التي تقع على ضفاف النيل بجانب هطول أمطار غزيرة بشرق وغرب الولاية قد تؤدي إلى تدفق سيول جارفة تلحق أضرار كبيرة بالمناطق المتاخمة في ظل وجود الآلاف من الأحياء السكنية غير المخططة والمبنية على مجاري السيول فضلاً عن توقعات بحدوث أعاصير ورياح تحدث أضرار بالمنشآت والأشجار وتوصيلات الكهرباء واللافتات الكبيرة ومحاذير من حدوث تردٍ في الحالة البيئية والصحية العامة نتيجة لتراكم النفايات والأنقاض بجانب انتشار البعوض والذباب والذي يسبب الكثير من الأمراض .
فقد شهدت الخرطوم على مدى السنوات الأخيرة بشكل متواتر كوارث السيول والأمطار خصوصاً العام 2007 التي تسببت في تشريد أعداد كبيرة من الأسر بعد أن دمرت ممتلكاتهم وقد كان خريف العام السابق أكثر كارثية  مما حدا بمختصين في الإرصاد الجوي إلى تشبيهه بخريف عام 1988 والذي فاق بمعدل كارثيته المعقول .
 ورغم أنه عند مطلع أبريل من كل عام يتم تكوين غرفة عمليات لمجابهة الخريف تضم العديد من الجهات المختصة ويدور الحديث في اجتماعات مطولة عن استعدادات الخريف بجميع أنحاء الولاية في مجالات فتح المصارف- حفر المجاري، وتوفير العبارات والكباري وعمل الردميات إلا أنه عند كل خريف تخرج الجهات المسئولة بالولاية بعد ان تفضح الأمطار حقيقة الأوضاع والتجهيزات باعتراف مفاده وجود خلل في تصريف مياه الأمطار سببه ....؟؟
فإذا وضعنا في الإعتبار توجيهات والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر لغرفة طوارئ الخريف بعمل برنامج مكثّف ومتابعة يومية للأعمال التي يتم تنفيذها بالمحليات مع ضرورة إجراء مراجعة شاملة لكل الطلمبات المُطلة على النيل ومتابعة أعمال تعلية الجسور والسدود الواقية وتأكيده في اجتماعه بمعتمدي المحليات ونوابهم ومدير عام وزارة البنى التحتية على أن حكومته قامت بسداد القسط الأول من الموازنة المرصودة للخريف والتي تبلغ (7) ملايين جنيه بغرض تأهيل وتطوير المصارف قبل وقت كاف من بداية هطول الأمطار وتقديم معتمدو المحليات تقارير بشأن الأعمال التي يجري تنفيذها والاحتياجات المطلوبة للمشاريع الواردة في الخطة وإقرار الاجتماع عدداً من الخطوات العملية متمثلة في تسليم الوحدات الإدارية 46 مهندساً بعدد وحدات الولاية ومسئولين بصفة خاصة عن متابعة عمل مصارف الأمطار وكل المرافق والآليات المرتبطة بتصريف مياه الأمطار بجانب تسليم كل مهندس عربة مُجهّزة ومعدة لأغراض الخريف ودعم المحليات بعدد 14 آلية جديدة وتخصيص كمية من (القلابات) للمساعدة في أعمال حفر وتطهير المصارف ونقل الأنقاض وتوفير قدر كافٍ من طلمبات الشفط ذات السعة الكبيرة و(التناكر).
فإذا وضعنا تلك التوجيهات في الإعتبار وأصبحت بالفعل على أرض الواقع فإن ماسبق من تحديات يصبح في حكم المقدور عليه وتسير المياه في مجاريها وحتى نطمئن المواطن على سير الأمور كما هو مخطط لها خرجنا للشارع العام واستطلعناعدد من المواطنين مع وقوفناعلى حقيقة الأوضاع داخل بعض الأحياء التي شهدت العديد من الإشكالات خريف العام الفائت لنرسم التوقعات لما سيحدث بعد أقل من شهرين .
فسمية محمد صالح.. بحي الشارقة غرب تقول : حقيقة نحن في منطقة الشجرة عموماً والشارقة غرب تحديداً نعاني اليوم قبل الغد من تدفق المياه بصورة كبيرة من أحواض لتجميع مياه الصرف الصحي شرق المنطقة  والتي من المفترض أن تذهب مباشرة للنيل إلاّ أن انغلاق المجرى الرئيسي وتكدّس الأكياس والأشجار الطفيلية بالإضافة لعدم تنظيفها الدوري فهي تركد ويعلوها الاخضرار ولا نعرف ماذا سيحل علينا عندما يأتي الخريف الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى .
أما عوض محمد الحسن بابكر.. الثورة الحارة السابعة يقول : الخريف على الأبواب وكالعادة لانرى ما يسُر أبداً، فالشارع يفتقد عُمال لتنظيف المجاري أو حتى لإخراج الأتربة المتراكمة حولها، فالحال سيكون مثل كل عام فمثلاً بالسوق الشعبي حيث موقع عملي تمتلئ المجاري بالأتربة والأكياس ورغم أن هو من صميم عمل المحليات والتي لن تتحرك إلاّ بعد أول قطرة مياه تنزل إلينا من السماء.. ليطالبوا بعد ذلك بلجنة والتي ستقدم تصورها بعد أسبوع أو أسبوعين للمدير التنفيذي والذي بدوره سيدرس الموضوع عن كثب ويقدم توصية بموجبها سيتم اعتماد المال المناسب.. لردم البرك بعد شهر أو أكثر، لذلك لا يتوقع المواطن من المحليات الكثير.
ويواصل: هناك واقع مؤلم يقوم به المواطنون أنفسهم ألاّ وهو إغلاق المجاري أمام منازلهم بالأوساخ دون إتباع الضوابط اللازمة وعلى أقل عمل براميل
في حلة كوكو يمتلئ السوق كل عام وبصورة مستمرة بمياه الأمطار، فلم تجد ( الشاهد ) خلال جولاتها غير مجرى واحد غير مؤهل بمحاذاة الشارع العام القادم من شارع واحد والواصل لتقاطع الجريفات، فيما الجهة الشمالية التي تقع على شريط المزارع والتي تصل للمايقوما فلا مجرى، ويعاني أصحاب الورش الصغيرة والفنيين معاناة كبيرة، وعادةً الحل ياتي بعد شهر من المحلية في شكل ردمية ترابية تحول المياه الراكدة إلى وحل.
تزاوج مياه الأمطار بمياه الشرب:
أما في الخرطوم غرب فيقول عبدالله عباس آدم : ما يزيد ( الطين بِله ) أن مياه الأمطار تلّتحم مع المياه المتدفقة من المواسير المكسورة حتى أنك لا تفرق ما بين مياه الأمطار من المياه المتدفقة، وعدم شفط المياه بالسوق العربي وتحديداً بمنطقة الخرطوم غرب من شارع الحرية وحتى الإستاد مروراً بميدان جاكسون الذي نتوقع أن يكون هذا العام بركة كبيرة وسط الخرطوم.
ويواصل : بالطبع لا نطالب بالمستحيل وإنما فقط بإعادة ترميم المجاري لتكون جاهزة مع إعتماد عربات شفط بأعداد كبيرة حتى لا ترّكُد المياه، وخاصة أنها منطقة سوق للخضر والفواكه والأطعمة، وبالطبع ركود المياه يحولها إلى منطقة توالد البعوض والذباب.
كثيرون أعربوا عن خيبة أملهم مسبقاً، مؤكدين أنه لا الولاية ولا المحليات بجيشها الجرار من العربات والعُمال يقدمون شيئاً للمواطن، وحتى المكلفون الجدد وإن أتوا قبل الخريف لن يسألوا عن المواطن، فكل المرشحين كان شعارهم أو جزء منه إصحاح البيئة، لكنها مجرّد شعارات ينسونها بمجرد وصولهم الكرسي.
وزير البنى التحتية ولاية الخرطوم حسن عبدالله فضل المولى كانت جزء من إفاداته السابقة في حوار صحفي مطول منشور مطلع شهر مايو تصب فيما نحن بصدده وهو كيفية تلافي المشاكل التى حدثت خريف العام الفائت بقوله :  أن كل المناطق التي حدثت فيها مشاكل في الخريف الماضي تم تحديدها ويجري العمل على معالجتها مشيراً إلى أن معظم مشاكل تصريف المياه سببها تغيير الأرض بسبب ممارسة الناس والردميات العشوائية ورمي الأنقاض قائلاً : لدينا خطة لمراجعة كل المصارف الموجودة الآن والعلاج سيتم تدرجياً لأنه يحتاج لإمكانيات كبيرة جداً وهنالك مصارف كثيرة جداً سيتم فيها عمل عبارات وتم تحديدها وطرحت في عطاءات ليتم تسليمها للمقاولين لتنفيذها ونؤكد أن كل المناطق التي حدثت فيها مشاكل حقيقية ستتم معالجتها قبل موسم الخريف إلا إذا هطلت أمطار فاقت حد المعدّل الطبيعي .
النقطة الأخيرة من تصريحات وزير البنى التحتية تشير إلى دور يلعبه الدفاع المدني يتمثل في اتخاذ التدابير والوقاية من الأخطار قبل وقوعها فقد كشف مؤخراً عن خطته لمواجهة مشاكل الخريف في شكل مراحل تقوم المرحلة الاولى على تأمين مناطق الجسور الواقعة على ضفاف النيل وحماية المناطق المنخفضة شرق النيل الأبيض وغرباً بمناطق أم درمان أبو سعد ومتابعة فتح المصارف والكباري بالمحليات, ورفع تقارير أسبوعية عن مدى سير العمل في عمليات النظافة والترميم.. أما في المرحلة الثانية فتتمثل في تأمين التجهيزات اللازمة لمواجهة التحديات والمهددات التى ينتظر وقوعها وذلك بتوفير خيام ومشمعات وكميات كبيرة من جوالات الخيش وبعض الأجهزة والمعدات ومولدات الكهرباء والكشافات, بجانب صيانة بعض الطلمبات والمعدات وتوفير ميزانية لشراء معدات وطلمبات تتمثل المرحلة الثالثة في حماية ومراقبة الجسور لحماية المناطق وتوزيع القوة على شكل ارتكازات وهي (23) نقطة إرتكاز  ترابط على مدار الساعة عند الجسور لسد أي ثغرة وعمل اللازم لسحب مياه الأمطار المتراكمة وبعض هذه الارتكازات موجودة بمناطق اللاماب والعزوزاب وود عجيب والقلعة (1 و2) والشقيلاب وأبو سعد والخليلة والفكي هاشم وسوبا.
بإستصحاب ماسبق يتضح أن مايجرى كل عام لايتعدى كونه تخطيطاً إسعافياً لتقليل حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات لكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير إذا يتطلب الأمروضع خطط وسياسات فى التخطيط العمرانى على المدى القريب والبعيد لمواجهة هذه الكوارث الطبيعية والحد من مخاطرها المدمرة على الإنسان وممتلكاته غير أن البلاد تعانى من عدم إتباع الأساليب العلمية والإلتزام الصارم بها بإعتبارها صمام الآمان لتجنيب البلاد الآثار المدمره للسيول والفيضانات الأمر الذى يجعلنا نتساءل عن الأسباب التى تقف وراء فشل السلطات المختصة فى وضع مثل هذه الأساليب وإتباع تنفيذها على أرض الواقع .
 مدير إدارة الكوارث بوزارة البيئة والتنمية العمرانية المهندس حسن سليمان يجيب عن ذلك فى ورقة علمية أعدها عن : " دور التخطيط العمرانى فى حماية المدن وتقليل آثار السيول والفيضانات "بقوله  : " إن قلة الإهتمام بالخطط العمرانية الرشيدة جعلت الأعمال والمبادرات فى التخطيط لايتحكم فيها المخططون الابنصيب جزئي وهى فى الغالب حسب قوله تخضع لرغبات الساسة والإداريين وأضاف ان معظم المخططين نسبة للبيروقراطية وإنعدام التدريب عاجزون عن تأدية دورهم الرئيسي في تخطيط وهيكلة بناء المدن أو حتى تطوير النواحى الفنية لدولاب عملهم لما لذلك من أهمية فى تحقيق النمو العمرانى على المدى البعيد ويرى ان الكثير من الكوادر العاملة غير مؤهلة ويتأسف على أن كل المرافق بالسودان يوجد بها مخططون يعملون عن طريق التجربة الخطأ وليس هنالك قسم أو إدارة للمستوطنات البشرية كجسم مرادف لإدارة التخطيط والذى يكون واجبه دراسة المناطق المأهولة بالسكان ومتابعتها وتقييمها ومتابعة رفاهية وتجويد المخططات القديمة فى إطار التنمية المستدامة السكان ومشاريع إعادة التخطيط ويرى ان أغلب الخطط العمرانية أصبحت تعكس الإرضاءات السياسية والإدارية الراغبة فى جلب المال والإستثمار وأختفت كما أشار عمليات التخطيط للأغراض الخدمية المستقبلية وصارت الأراضى حسب قوله بأسعار باهظة فى ضوء المتغيرات الناتجة عن الذيادة السكانية والإستثمار غير المرشد للأراضى بجانب النمط التقليدى فى والمكرر فى نمط التخطيط
وتحدث فى ورقته عن ظاهرة السكن العشوائي والتى وصفها بأنها أصبحت هاجساً مقلقاً وصعباً فى ظل ندرة الخطط والمبادرات المصبوغة بسياسات راشدة وعمل فنى متقن تدعمه اخبرة يرقى للرؤى المستقبلية ولاينحصر فى الرؤى الآنية وأكد على ذلك بقوله أنه نسبة ولسوء التخطيط فى جميع المواقع قديمها وحديثها تعانى معظم تجمعاتنا السكنية من أضرار الفيضانات والتى تكررت فى السنوات السابقة وأرجع ذلك الى عدم مواكبة المخططات مما نتج عنه ضيق فى الطرقات وقلة إحتياطى فى مواقع الخدمات وارجع ذلك الى انها خططت كإمتداد على هامش المدن واعتبر ان ذلك ناتج عن سياسات إسكانية غير راشدة إنحصر دورها فى فتح الشوارع وتخصيص مواقع قليلة للخدمات مع إجراء تعديلات طفيفة فى نمط التخطيط فى السكن الأسبق " العشوائي " يرى انها لم تخضع لعمليات الإختيار السليم والتى تجعل الإمتدادات وفقاً لأسس وماعيير مناسبة للسلامة من آثار السيول والفيضانات والحرائق مثل وجود معلومات عن " الكنتور" للإرتفاع والإنحدار والإتجاهات إضافة لمدى مناسبة هذه الإستخدامات مع الموقع وعمل تصورات للطرق وميادين خضراء .
 وعليه ستظل مشكلة الخريف قائمة بفعل غياب تنفيذ التخطيط السليم مالم تتخذ الجهات المسئولة الإجراءات اللازمة والفورية لوضع تلك الخطط موضع تنفيذ والتى حسب وزير البيئة والتنمية العمرانية دكتور احمد بابكر نهار انها تحتاج الى دعم سياسى يسهل إنسياب الدعم المالى خارج الأطر الروتينية والتى فشلت كما قال فى تقديم الدعم لقطاع التنمية العمرانية خلال الأعوام السابقة مما جعل وزارته تعانى كثيراً فى الخروج بمبادرات تعالج بعض القضايا البيئية وإحداث بناء جديد فى الهيكلة البيئية بالسودان التى ظلت لزمان طويل فى اطوارها البدائية.
































  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم