مذيد من الشفافية(2)


تقييم الأثر البيئى
المشروعات الصناعية الكبرى بالبلاد ... مذيد من الشفافية(2)


الخرطوم : نبوية سرالختم
رغم شمول قانون البيئة لعام 2001 على ضرورة إجراء تقييم للأثر البيئى لأى مشروع الا ان التقييم حسب مهتمين بالشان البيئي لايجرى فى الغالب بدرجة من الشفافية ممايجعل المشاريع الصناعية الكبرى بالبلاد عرضة لتخليف واقع بيئى سيئ ممايثير إستياء المجتمعات المحليّة.
 فحسب تقرير الأمم المتحدة عن الوضع البيئي في السودان الذي صدرمؤخرا بعنوان " التقرير البيئي للسودان لما بعد النزاع" : أن المعالجة البيئية في مجال الصناعة بالسودان كانت شبه معدومة حتى عام 2000، ورغم تحسن الأوضاع إلا أن هناك الكثير من التحديات ففي المصانع التي تديرها الدولة مثلاً تصب مياه الصرف الصناعي في مجاري المياه العذبة بجانب تأثير المياه المنتجة غير المعالجة من صناعة النفط على المراعى ويحذر التقرير من مشكلات ستترتب على صناعة النفط الناشئة والتى تسير بخطى واثقة فى إتجاه ذيادة إنتاجها مع محاولات لذيادة عدد المصافى لتأمين إحتياجات البلاد من البترول وتطوير الصناعات النفطية فى مجال البتروكيماويات. 
تناولنا فى الحلقة السابقة مدى إلزامية القوانين الخاصة بالبيئة فى شأن ضرورة دمج الإعتبارات البيئية " تقييم بيئى " عملياً مع المشاريع الصناعية الكبرى مع نقل إفادات لمسئولين بالإدارة العامة للبيئة والسلامة بوزارة الطاقة والتعدين حول : هل يجرى مثل هذا التقييم عملياً فى شأن تنقيب وصناعة النفط كواحدة من الصناعات التى يمكن ان يكون لها مخلفات ضارة بالبيئية وعن الحديث الذى يدور حول عدم الشفافية فى إجراء التقييم البيئى لهذه الصناعة بسبب تداخلات مصالح الى غيرها من التساؤلات نواصل فى هذه الحلقة جزء خاص بقانون البيئة والذى يجرى تعديله هذا العام ومادار حوله من خلاف فى شأن تحقيق الإلزامية لتلك المشاريع ومدى مراعاتها للإشتراطات البيئية قبل وبعد البدء فى المشروع مع بحث معوقات الرقابة بالنسبة للجهات المسئولة بجانب مناقشة الشق الثاني للمشاريع التعدينية بالبلاد وهو الشق الخاص بتنقيب وصناعة المعادن الثقيلة بمافيها الذهب .
 الأمر الذى يجعلنا نتساءل حول مدى تطبيق الإشتراطات البيئية في مجال التنقيب عن المعادن الثقيلة وخصوصاً الذهب وكيفية التخلص من مادة السيانيت السامة والزئبق فحسب أفادة طرحناها الحلقة السابقة تقول ان هذه المواد تطلق فى الخلاء بجانب سؤال حول الوسائل المعمول بها لتفادى أى تلوث أو إهلاك للموارد الطبيعية فى المنطقة المحيطة والى اى مدى يراعى الجانب الإنساني فيما يخص المشاريع التى تعمل فى هذا الجانب فكما هو معلوم أن الفقراء عموماً يتحملون وطأة الأعباء الناجمة عن تدهور البيئة وترديها، فهم أقل عزلاً من الأغنياء عن التعرض لمشاكل التلوث الأساسية مثل عدم نظافة الهواء والماء، والمواد الكيميائية السامة .
** مسودة القانون وخلافات مؤسسية:  
خصصت وزارة البيئة والتنمية العمرانية إجتماعها بمستشاريها هذا العام لمناقشة مشروع تعديل قانون حماية البيئة لسنة 2001 ومشروع قانون إنشاء الصندوق القومى لحماية البيئة لسنة 2009 , أخذت مناقشة تعديل قانون البيئة جملة الزمن المتاح للجلسة مع إتفاق غالبية المستشارين على قصور مسودته الأمر الذى دعى الى تشكيل لجنة مصغرة برئاسة وزير البيئة دكتور احمد بابكر نهار للإسراع بإجراء التعديلات اللازمة بعد قصور اللجنة المكلفة فى القيام بأعمالها بالصورة المطلوبة للتغيب المتكرر لأعضائها مع إستصحاب اللجنة المعنية فى تعديلاتها مشروع قانون إنشاء الصندوق القومى لحماية البيئة .
من ناحية اخرى إظهرت المناقشات التى جرت خلافات حادة داخل مؤسسات تابعة لوزارة البيئة والتنمية العمرانية، جراء تضارب السلطات المنصوص عليها في مشروع تعديل قانون حماية البيئة لسنة 2001، والتي حرمت الوزير المختص من مهام المجلس الاعلى للبيئة والموارد الطبيعية، لصالح ادارة البيئة. فالمادة "11 "جعلت من مهام إدارة البيئة بالوزارة تطبيق القانون البيئى على المستوى القومى وإقتراح التشريعات والمعايير والإشتراطات البيئية بالتنسيق مع الاجهزة المختصة على مستويات الحكم المختلفة وتنفيذ الخطة القومية للبيئة والسياسات بعد إجازتها من المجلس مع تنفيذ المشروعات القومية الرائدة فى مجال البيئة ووضع الخطط التنفيذية للمحافظة على البيئة مع تقييم دراسات الأثر البيئى لمنح التراخيص والتصديق للمشروعات والأنشطة القومية والتقييم المستمر للحالة العامة للبيئة ونشر الوعى البيئى الى غيرها من المهام وماتجدر الإشارة اليه ان هذه المادة أثارت الكثير من ردود الأفعال تجاهها من قبل المجتمعين بدعوى انها منحت إختصاصات الوزارة لمدير إدارة فيها وانتقدوا بشدة إقحام إدارة البيئة وهى جسم داخل الوزارة يمكن ان ينظم بلائحة داخلية فى قانون إتحادى مماجعلها اى المسودة تعطي ادارة البيئة إختصاصات لاتتناسبها.
من جانبه اقر الامين العام للمجلس الاعلى للبيئة سعد الدين ابراهيم، ان مسودة القانون الجديدة تحد من صلاحيات وزير البيئة تجاه مؤسسة تابعة له إذ لايمكنه إتخاذ أى إجراء ضدها الا باللجوء للتعديل.
** الجهات المسئولة ومعوقات الرقابة :
يقول مستشار المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية دكتور يعقوب عبدالله " خبير بيئي , رئيس جمعية البيئيين ,المدير الوطني السابق لبناء القدرات بالمجلس الأعلى للبيئة " : بدأ التقييم البيئى فى السودان قبل صدور قانون البيئة عام 2001 وكان نتيجة لمتطلبات المانحين والصناديق الدولية الممولة والبنك الدولي لان أى عمل تنموي يمول بواسطتهم لابد وان تجرى له دراسة لتقييم الأثر البيئي له وتحديد المعالجات السليمة والتحوطات اللازمة ويذهب يعقوب إلى انه وفقاً لذلك تم عمل دراسة تقييم لعدد من المشروعات المموله منها مشروع توفير المياه فى شمال كردفان عام 1983 بجانب دراسة لطريق الماشية الجنوبي بواسطة المعونة الأمريكية وكانت هنالك دراسات اخرى لطريق كوستى الأبيض وطريق الإنقاذ الغربي وغيرها ويري يعقوب انه بعد صدور قانون البيئة فى 2001 أصبح شرط قيام اى مشروع تنموي هو إجراء هذه الدراسة وتقديمها للمجلس الأعلى للبيئة لإجازتها من ناحية فنيه وإعطاء شهادة بذلك لكن رغم إلزامية القانون الإ أن الكثير من الجهات لاتلتزم بتوصيل الدراسة للمجلس لإجازتها وتقييمها فالكثير من المشاريع الكبري بالبلاد نفذت على أرض الواقع دون ان تمر بالمجلس ويضرب يعقوب مثلاً لذلك تنقيب وصناعة البترول والتى كما قال أجريت لها دراسات لان الإستكشاف كان ممولاً من جهات أجنبية لكن لم يتم تقييم هذه الدراسات فنياً بواسطة المجلس بمعنى أن المجلس لم يجيزها لأن البترول كان فى أوان إستكشافه يحظى بحماية الدولة فقد أصدر له قانون موازي لقانون حماية البيئة " موقع بواسطة رئيس الجمهورية " وهو قانون الحماية من تلوث البترول ويعتقد يعقوب أن هذا القانون خلق وضع غير سليم بأن جعل الوزارة المعنية بأمر التنقيب عن البترول هى الخصم والحكم وعليه فإنه يرى ان قانون البيئة فى ذلك هو المرجع الأساسي في شأن تقييم تلك الدراسات وهو يضع في الإعتبار القوانين القطاعية المختلفة " غابات ,حياه برية , مياه ..إلخ "ويرى يعقوب أن دراسة الأثر البيئي لأى مشروع لابد وأن تراعى مايعرف بالمجتمع المستفيد لتجمع منه وتطلعه على معلومات وافيه حول المشروع وتطلعاته وسلبياته على البيئة المحيطة وكيفية تلافيها ويجب ان تكون هذا المشروع موضع دراسة معه للمساعدة في إدخال المطلوبات والتحسينات اللازمة ويذهب يعقوب الى ان هذا  دائماً لايجري فهنالك الكثير من الدراسات التى قدمت وأجيزت لايعرف عنها المجتمع المستفيد شئياً لأنها أجريت على درجة من السرية مثل دراسات البترول التى أجريت بصورة سرية لإعتبارات يقال أنها أمنيه ولم تعرض على المجتمع المستفيد مما خلق كثير من المشاكل مع المجتمع المستفيد منها مشاكل تعويضات الأراضي وهى حقوق نص عليها الدستور بتعويض أي شخص تأثر من قيام أى منشأة تنموية وهذه المشاكل في رأيه غالباً ماتثيرها معلومات مغلوطة تنتشر وسط المجتمع وقد تتسبب فى توقيف المشروع وهذا كان من الممكن تلافيه بقليل من الشفافية والشورى مع المواطنين قبل البدء في المشروع ويرى يعقوب الكثير من المؤسسات الحكومية لاتتبع هذا النهج وأخري لاتهتم بإجراء الدراسة أصلاً ويفسر يعقوب ذلك بانه ناتج من عدم الوعي بالآثار البيئية التى من الممكن أن يحدثها المشروع وعدم الإحاطة بأهمية الدراسة بأنه ليس الهدف منها إيقاف المشروع بل تحسينه فالكثير من الأموال تصرف في التقليل من الآثار السالبة بعد قيام المشروع كان من الممكن توفيرها فقط بإجراء تلك الدراسة ويذهب يعقوب إلى ان التوازن فى هذه النقطة كان من المفترض ان تحققه الجهات المعنية ممثلة فى وزارة البيئة والتنمية العمرانية والمجلس الأعلي للبيئة والموارد الطبيعية لكن يري أن هذه الجهات تحتل موقع منخفض في أسبقيات الدولة رغم أن هنالك حديث كثير يدور وسط المسئولين عن البيئة وحماية البيئة لكن دون أن ينعكس ذلك فى توفير التمويل اللازم لهذه الجهات لتقوم بدورها رغم أنها جهات إتحادية ولنقص قدراتها فغالباً ماتلجأ الجهات الحكومية لعمل مشاريعها دون الرجوع إليها فالقانون مثلاً يعطى أى مواطن حق التبليغ عن أى ضرر بيئي ويلزم الطرف الذى احدث الضرر دفع تكلفة إزالة الضرر بجانب الكثير من المواد لكنها فى الواقع غير مفعلة .
** الذئبق والسيانيت تحدي ماثل :
حسب التقرير الصادر عن المحفل الحكومي الدولي المعني بالسلامة الكيميائي المنعقد في سبتمبر 2006 : "  إن التعرض للمعادن، عن طريق الهواء الملوث أو الغذاء الملوث أو شُرب المياه الملوثة أو المشروبات الملوثة أو التعرض للتربة الملوثة، يمكن أن يشكل تهديداً لصحة الإنسان ونموه بجانب أن هنالك مجموعة متزايدة من البيّنات تربطها اليوم بعدد من الآثار الصحية الضارة، ومشاكل النمو ومظاهر الشيخوخة. ويرى التقرير أنه خلال العقود الماضية تبين أن بعض المعادن تشكل عوامل قادرة على إحداث آثار ضارة غير ظاهرة ولكنها شديدة تظهر في الآثار المناعية والآثار السامة للكلية والآثار الخاصة بالنمو العصبي والآثار السامة للجينات بجانب الحساسية الخاصة لدى الأجنة وصغار الأطفال أثناء "فترات الضعف الحرجة"، ونتيجة لسلوكياتهم الخاصة ووظائف أعضائهم الدينامية التي قد توجد لديهم استعداداً لزيادة التعرض البيئي والآثار الضارة.
كما اطلق معهد بلاكسميث ومنظمة الصليب الاخضر السويسرية اللذان يعملان على تنظيف التلوث الناجم عن الكوارث الصناعية والعسكرية تقريرا على موقع على الانترنت باسم المواقع الاكثر تلوثا في العالم ووجد التقرير أن التنقيب عن الذهب هو واحد من اكثر عشرة مصادر لمخاطر التلوث على صحة الإنسان في العالم.
وأفاد التقرير بان الاطفال في الدول النامية ما زالوا يتضررون بسبب التلوث من العديد من الصناعات التي تنتج او تعالج اشياء تستخدمها في التنقيب سواء عن المواد التقليدية أو النفيسة وقال التقرير ان الزئبق الناتج عن التنقيب عن الذهب يمكن ان ينتهي في اسماك التونة التي نأكلها في النهاية وتسمم اطفالنا.
وهناك فى مناطق تعدين الذهب فى جبيت حسب إفادة مدير الأبحاث والتدريب بالوكالة السودانية لحماية البيئة دكتور خالد حواية الله أن الشركة العاملة تقوم بضخ مادة السيانيت فى الخلاء وهنالك الكثير من الطيور المهاجرة التى تقصد هذه المكبات فتلقى حتفها فى شكل مجزرة بجانب تسمم الكثير من الحيوانات وإحتمالات تسرب هذه المادة الى باطن الأرض وتلويث المياه الجوفية إذا كانت موجوده.
 ماسبق من إتهام كانت قد أجابت عنه الإدارة العامة للبيئة والسلامة بوزارة الطاقة والتعدين فى الحلقة السابقة إجابه إحتمالية بعد أن أشارت الى جهة الإختصاص وهى الإدارة العامة للأبحاث الجيلوجية والتى طرقنا أبوابها ووضعنا تساؤلات أمام مسئوليها في إنتظار الإجابة عليها وهى تدور حول مدى تطبيق الإشتراطات البيئية في مجال التنقيب عن المعادن الثقيلة وخصوصاً الذهب وكيفية التخلص من مادة السيانيت السامة والزئبق فحسب أفادة طرحناها الحلقة السابقة تقول ان هذه المواد تطلق فى الخلاء بجانب سؤال حول الوسائل المعمول بها لتفادى أى تلوث أو إهلاك للموارد الطبيعية فى المنطقة المحيطة والى اى مدى يراعى الجانب الإنساني فيما يخص المشاريع التى تعمل فى هذا الجانب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم