مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم


أم ضريوة .. طيبة .. ود العقلي ...
يتواصل مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

** المزارع يتحمل الكثير في سبيل إصلاح الأرض وعندما يبدأ في جني ثمار مازرع يتفاجأ بقرار النزع
**  مخطط نبته تعدى على أراضي المواطنين الزراعية بمالايقل عن 148 فدان ملك حر للآهالي
** الأعمال والمبادرات في التخطيط العمراني تخضع لرغبات الساسة والإداريين
** قيام مدن عشوائية أفرز ضيق فى الطرقات وقلة إحتياطى فى مواقع الخدمات

تحقيق : نبوية سرالختم
رغم التحذيرات التي أطلقتها وزارة الزراعة بولاية الخرطوم أمام مجلسها التشريعي العام قبل الفائت فحواه ان العاصمة تشهد زحفا صحراويا غير مسبوق إلا أن مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية مازال متواصلاً على أيدي السلطات الحكومية والمواطنين أفراداً ومؤسسات مما جعل اللون الأخضر مهدداً بالإنقراض في مواجهة الزحف الأسمنتي والذي أصبح غابات متحركة تزحف بضراوة لتجتس كل مساحة خضراء .
وقبل أن نرصد حيثيات الأمر والجهات التي تقف وراءه  فهناك فاصل جديد يضاف لهذا المسلسل  .. فاصل لايحوي أرضاً زراعية عليها بقايا أبوسبعين يمكن ان يقال عنها : كانت هنا أرض زراعية ولم يكن بقايا محصول دمره فيضان هذا العام وشتيلات بدات تزحزح عنها حبيبات الطين لتبسط  خضرتها على المساحة بل الفاصل الجديد يحوي مساحات مزروعة استصلحت بعد أن كانت بوراً وبها زرائب مواشي ومفارخ دواجن ومصانع أعلاف .
وظل أصحاب هذه المساحة يناكفون المسئولون لسنوات حتى خضعوا لسياسة الامر الواقع وقبلوا بالتعويض كبديل للأرض التي ستحول بعد إخلاءها قريباً إلى مخطط سكني .
** نزع وتسوية
نعود إلى القصة من بدايتها وهي على ذمة أصحابها كالآتي :  تفاجأ أصحاب الساقية 151 ومشتقاتها بمربوع طيبة جبل أولياء في السادس من نوفمبر 2007 بقرار من إدارة النزع والتسويات منشور بإحدى الصحف اليومية يقضي بنزعها ومشتقاتها إجمالاً على ان ينفذ القرار بالإخلاء من المستفيدين في غضون شهر من تاريخه .
يعود تاريخ إستصلاح جزء من هذه الساقية إلى ماقبل عام 1990 وتم بعدها نزع الجزء غير المستصلح من قبل وزارة الزراعة في العام 1992 لصالح عدد من المستاجرين بعقودات إيجار متفاوتة في مدتها تتراوح مابين 7 سنوات إلى 21 سنة وتقدر مساحتها بحوالي 700 فدان بها 24 مزرعة توفر العشب الأخضر وابوسبعين للمواشي داخل هذه المزارع والمناطق المجاورة حتى جنوب الحزام الأخضر وبها حوالي ألف رأس من الأبقار الحلوب التي تمد بألبانها منطقة الكلاكلات حتى السجانة مساء ومستشفيات الخرطوم صباحاً وتنتج يومياً أكثر من ألف طن من الفراخ و500 طبق بيض ويعمل بها مالايقل عن 100 عامل .
محمد عدلان واحد من أصحاب هذه المزارع قال أنه إشترى مزرعته وكانت عبارة عن أرض خلاء ليس بها ماء ولاكهرباء وقام بحفر بئر وشراء 11 عمود لتوصيل الكهرباء وقام بشراء ابقار وجدد إيجار الأرض لسبع سنوات اخرى وتحمل الكثير من تكاليف التأسيس والتي تصل للملايين وعندما بدأ يجني ثمار مازرع  تفاجا وقتها بقرار النزع الذي لم يخطروا قبله ويذهب إلى أن وزير الزراعة عندما إتصلوا به نفى علمه بهذا الامر وقابلوا مديرالنزع والتسويات قال أن قراره إستند إلى خطاب موجه إليه من الوالي بتغيير غرض المساحة المذكورة وسيعوض كل فدان بقيمة ألف ومائة جنيه على ما تبقى من مدة الإيجارة ويذهب إلى أن هناك من إنتهت مدة إيجارته وعندما ذهب لتجديدها اخطر بقفل السجل وتساْل عندما تنزع منا هذه الأرض أين سنذهب بأبقارنا وفقاساتنا وأعمدة الكهرباء هل سنحملها فوق رؤسنا واين اموالنا التي ذهبت في إستصلاح الأرض وتعميرها ومعه آخر جاء بعد طول إغتراب وأستاجر الأرض وقضى جل فترة الإستئجار في إستصلاحها وقد جلب المعدات من الخارج وبعد ان تم له ماأراد وجاء ليستقر باسرته تفاجا بقرار النزع الذي تقول حيثياته : ( بناء على القرارالصادر من والي الخرطوم في 20 مارس 2006 وقرار اللجنة المفوضة من مجلس الوزراء ولاية الخرطوم رقم : 7 / 2006 الصادر في 14 مارس 2006 وتوجيه الوزير بتاريخ 9 أبريل 2007 ومذكرة إدارة التخطيط العمراني بالنمرة ( وزت /4م / 38 /1 بتاريخ 5 يوليو 2007 صدقت لجنة الولاية للتخطيط العمراني في جلستها رقم 26 بتاريخ 15 يوليو 2007 على الىتي : تغيير غرض الساقية 151 ومشتقاتها مربوع طيبة من زراعية إلى سكنية بمساحة 630 فدان كالآتي :
- عدد 850 قطعة سكنية درجة اولى تتراوح مساحتها بين 409 متر مربع إلى 846 متر مربع ومركز خدمي
- عدد 1313 قطعة درجة ثالثة بمساحات تتراوح بين 256 متر مربع إلى 512 ومركز خدمي
- مركز خدمي رئيسي يتوسط المخطط السكني درجة اولى والثالثة  )
وصادقت لجنة ولاية الخرطوم للتخطيط العمراني بالقرار رقم (221 / 2007 ) المكونة من عماد الدين فضل المرجي كرئيس لها وزكيه بشير التيجاني أمين عام لها بجانب رئيس قسم المساحة اسماعي شراره في 26 يوليو 2007 على تغيير غرض الأرض من زراعي إلى سكني حسب المخطط الموضوع .
** أم ضريوة نموذج آخر
القصة السابقة لم تكن الوحيدة فقد سبقتها قضية أراضي أم ضريوة والتي  تخص 84 فرداً من قرية ام ضريوه كملاك للقطعة (1/1/11) والقضية تفرق دمها بين الوزارات فكل جهة تاخذ خطاباً وتدفع لحهة اخرى بخطاب لسنوات طوال حتى إنتصبت مباني مخطط نبته على أرض المتضررين الذين كلما مروا عليها كقول احد مشايخ المنطقة تعتصر الحسرة قلبه ويراوده إحساس أن من إحتل أرضه ( إنجليزي ) .
فحسب المسنين من أهل القرية انهم كانوا يرعون إبلهم فيها وهم اطفال والعمدة حاج علي البدوي وهو من أعيان المنطقة أفادهم ان هذه المنطقة مسجلة لهم كحق شرعي منذ عام 1814
مجموعة ام ضريوة مسجلة كملاك للقطعة (1/1/11 ) وقد حازت هذه المجموعة عليها بعد ان  ورثتها أباً عن جد وكانت تزرع وتم تقنينها بواسطة وزارة الزراعة والسجلات للإستفادة من مناخ الإستثمار وتوفير الحماية القانونية التي يجدها المسجل وكان ذلك في عام 1993 وفقاً لشهادة البحث
اخطر اصحاب القطعة إدارة النزع والتسويات بتأثر القطعة بمخطط نبتة السكني بتاكيد خطاب من المساحة بتأثرها الكلي في الوقت الذي كانت تنفي فيه إدارة النزع هذا الأمر .
أضيفت القطعة إلى جمعية ام ضريوة الزراعية لتكملة القطعة إلى 1400 متر وهي المساحة المطلوبة ليكتمل المخطط وبناء على ذلك تم تحديد إيجار قطعة الجمعية المنتهية حتى يوليو 2007 وإستغلال سكرتير الجمعية لتحويلها من زراعي إلى سكني وقد ساعدتهم وزارة الزراعة بتجديد شهادة البحث حتى عام 2015 بتجاوز السنوات السابقة من عام 1993 إلى عام 2000 وكذلك تجاوز النظام المعمول به في قانون تجديد الإيجارات والذي يبدا بثلاث سنوات ثم خمس ثم سبع ثم 15 سنة حتى 25 سنة ثم تملك وبناء على ذلك وبقرار مجلس الوزراء رقم 11/ 22 الصادر في 29 مايو 2002 تم تغيير غرض القطعة وحسب الرفع المساحي يجب ان لاتتجاوز مساحة المشروع على الطبيعة 1270 فدان وتجاوزوا ذلك بان قام المخطط في 1518 فدان وهذه الذيادة كانت على حساب المزارع المجاورة من بينها مزارعهم .
وعندما قبلوا بمبدأ التعويض كان في مواجهتهم القرار الصادر من وزارة التخطيط العمراني يفيد حسب نص خطاب الوزارة  بتاريخ 15 سبتمبر 2007 : ( أن السيد مدير عام مصلحة الأراضي قد وجه بإخطارهم انه لايوجد مايستوجب تعويضهم وفق الأسس والضوابط المعمول بها حيث ان هذه القطعة منتهية إيجارتها عند قيام مخطط نبته السكني )
وإذا أخذنا النموذجين السابقين نجد ان الغرض منهما حسب السلطات تحويل الغرض إلى سكني بإقامة مجمعات سكنية  والتي تضم الآلاف الأفدنة وهو يعكس مصلحة حكومية صرفة ربما يقف وراءها بعض المنتفعين لكن كل  
هذه الأشياء لاتنصب في إطار التخطيط العمراني السليم وماهي في النهاية الا تمدد أفقي للولاية وحتماً انه سيؤثر على توزيع الخدمات بما سيفتحه من مجال أمام الآخرين لتحويل الأراضي الزراعية إلى قطع سكنيه بدون أى تخطيط وهناك نموذج ماثل في قرية  ود العقلي حيث تقوم منظمة ما بشراء عدد من الأفدنة وتقسيمها إلى قطع سكنيه مما جعل هنالك إمتداد لهذه القرية غير مصحوباً بالتخطيط اللازم والخدمات الضرورية مما يجعلنا نتساءل عن دور إدارات التخطيط العمراني والمخططون في هذا الجانب ؟

** رغبات ساسة وإدرايين
يقول مدير إدارة الكوارث بوزارة البيئة والتنمية العمرانية المهندس حسن سليمان فى ورقة علمية أعدها عن : " دور التخطيط العمرانى فى حماية المدن وتقليل آثار السيول والفيضانات " : إن قلة الإهتمام بالخطط العمرانية الرشيدة جعلت الأعمال والمبادرات فى التخطيط لايتحكم فيها المخططون الابنصيب جزئي وهى فى الغالب حسب قوله تخضع لرغبات الساسة والإداريين وأضاف ان معظم المخططين نسبة للبيروقراطية وإنعدام التدريب عاجزون عن تأدية دورهم الرئيسى فى تخطيط وهيكلة بناء المدن أو حتى تطوير النواحى الفنية لدولاب عملهم لما لذلك من أهمية فى تحقيق النمو العمرانى على المدى البعيد ويرى ان الكثير من الكوادر العاملة غير مؤهلة ويتأسف على أن كل المرافق بالسودان يوجد بها مخططون يعملون عن طريق التجربة الخطأ وليس هنالك قسم أو إدارة للمستوطنات البشرية كجسم مرادف لإدارة التخطيط والذى يكون واجبه دراسة المناطق المأهولة بالسكان ومتابعتها وتقييمها ومتابعة رفاهية وتجويد المخططات القديمة فى إطار التنمية المستدامةالسكان ومشاريع إعادة التخطيط ويرى ان أغلب الخطط العمرانية أصبحت تعكس الإرضاءات السياسية والإدارية الراغبة فى جلب المال والإستثمار وأختفت كما أشار عمليات التخطيط للأغراض الخدمية المستقبلية وصارت الأراضى حسب قوله بأسعار باهظة فى ضوء المتغيرات الناتجة عن الذيادة السكانية والإستثمار غير المرشد للأراضى بجانب النمط التقليدى فى والمكرر فى نمط التخطيط
وتحدث فى ورقته عن ظاهرة السكن العشوائي والتى وصفها بأنها أصبحت هاجساً مقلقاً وصعباً فى ظل ندرة الخطط والمبادرات المصبوغة بسياسات راشدة وعمل فنى متقن تدعمه اخبرة يرقى للرؤى المستقبلية ولاينحصر فى الرؤى الآنية وأكد على ذلك بقوله أنه نسبة ولسوء التخطيط فى جميع المواقع قديمها وحديثها تعانى معظم تجمعاتنا السكنية من أضرار الفيضانات والتى تكررت فى السنوات السابقة وأرجع ذلك الى عدم مواكبة المخططات مما نتج عنه ضيق فى الطرقات وقلة إحتياطى فى مواقع الخدمات وارجع ذلك الى انها خططت كإمتداد على هامش المدن واعتبر ان ذلك ناتج عن سياسات إسكانية غير راشدة إنحصر دورها فى فتح الشوارع وتخصيص مواقع قليلة للخدمات مع إجراء تعديلات طفيفة فى نمط التخطيط فى السكن الأسبق " العشوائي " يرى انها لم تخضع لعمليات الإختيار السليم والتى تجعل الإمتدادات وفقاً لأسس ومعايير مناسبة للسلامة من آثار السيول والفيضانات والحرائق مثل وجود معلومات عن " الكنتور" للإرتفاع والإنحدار والإتجاهات إضافة لمدى مناسبة هذه الإستخدامات مع الموقع وعمل تصورات للطرق وميادين خضراء .
** منهجية غير علمية  
بأخذ ماسبق من ماقاله المهندس حسن سليمان فى شان التخطيط فالعاصمة الخرطوم كانت قد نظرت في الشهور القليلة الماضية  نظرت فى شان مخططها الهيكلى ويقصد بهذه العملية لمن لايعرفها أنها نهج علمي يُعنى بتحديد استخدامات الأرض لفترة زمنية معيّنة وفق رؤية المخطط مع مراعاة النمو السكاني والاقتصادي وحاجات المجتمع " فإذا رجعنا الى عرض محاولات لتطبيق هذا النهج الفعلى سنجد ان أول تخطيط للخرطوم نفّذه المستعمر كتشنر عقب استيلائه عليها وخططها على شكل العلم الإنجليزي وجعل منطقة المسجد الكبير وسط المدينة، كما تم تخطيط الخرطوم للمرة الثانية " وهو الأول بعد الاستقلال " بواسطة احدى الشركات الاغريقية، وفي عام 1976م تم تخطيط هيكلي ثالث للخرطوم بواسطة شركة مفت الإيطالية، وتم وضع تخطيط رابع للخرطوم عام 1991م. ولكن حسب المختصين فإن جميع هذه المخططات لم يتم تنفيذها كما خطط لها لظروف الحروب والجفاف والتصحر والنزوح المتواصل على العاصمة و لو قدر ان يتم التخطيط كما وضع لأصبح شكل الخرطوم الآن مختلفاً جداً وحسب تقارير وزارة التخطيط العمرانى بالولاية فإن اهم المشاكل التى تواجه الشرائح الضعيفة والمتمثلة فى الأطفال وذوى الإحتياجات الخاصة فى المخططات والتصميمات الجارية عدم مراعاتهم فيها وتوفير المرافق الخاصة بهم وعلى مستوى ترقية الريف بالولاية فقد برزت مشاكل أهمها التدهور البيئى وتفشى الفقر والتفلت العمرانى بالقرى وعدم التخطيط والتسجيل بجانب ان القرى ظلت ملاذ لتفريخ السكن العشوائي وفيما يخص العلاقات البينية والبعد القومى للخرطوم فهنالك تمركز فى الخدمات وعدم خضوع بعض الأراضى لقواعد البناء لوضعها التاريخى كما فى امدرمان وعلى مستوى البيئة اوردت التقارير ندرة المساحات الخضراء وعدم إستصحاب البعد البيئى لاى مشروع تنموى
مما سبق تظل مشكلة التخطيط السليمة قائمه مالم تتخذ الإجراءات اللازمة والفورية لوضع تلك الخطط موضع تنفيذ بتفعيل إختصاصات وزارة  البيئة والتنمية العمرانية والغابات المنصوص عليها فى المرسوم الدستورى رقم " 34 " والدستور الإنتقالى للعام 2005 وأغلبها غير مطبقة على أرض الواقع من بين هذه الإختصاصات وضع الإستراتيجيات العمرانية القومية وسياسات الإسكان والإشراف على عمليات التخطيط العمرانى والأراضى وتقديم المشورة الفنية والتنسيق بين الأجهزة ووضع معايير ومواصفات مواد البناء ووضع الضوابط لمنح التراخيص للشركات العاملة فى قطاع التنمية العمرانية










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم