مقاول الباطن .. الحلقة الأضعف


في قطاع البناء والتشييد
مقاول الباطن .. الحلقة الأضعف
** مقاول باطن : الشركات الكبرى تترك مشاريعها لنا مقابل هامش ربح أكبر وبأقل جهد ممكن
** عدم وجود شركات مقاولات متخصصة ساهم في تأخير التسليم وجودة العمل.
** صاحب شركة مقاولات : شروط التعاقد المبرمة بين مقاول الباطن والمقاول الرئيسي كثيراً ماتكون مجحفة لهذا السبب
** سوق المقاولات لايعاني من الأيدي العاملة بقدر مايعاني من مشكلة المواد وثبات السعر والتمويل
** إتحاد المقاولين : تأخر الدفعيات يساهم في تحطيم مقدرات المقاول
تحقيق : نبوية سرالختم
كاميرا : بدر الدين يونس
تتكامل معادلة العمل الإنشائي في قطاع البناء والتشييد بالدولة عبرما يسمى بـ(مقاول الباطن) في ظل وجود المالك والإستشاري والمقاول الرئيسي ويعد  الأول في نظر الخبراء الحل الإستراتيجي الذي يستغله الأخير لتسيير العملية التشغيلية بالمشاريع العمرانية والذي لايقل فيها دوره عن الـ 70 % من حجم المشروع .
لكن وبرغم الدور الذي يؤديه مقاولو الباطن في تلك المشاريع الا أنهم يشكلون وفق أراء الكثيرين ممن إستطلعت أراؤهم " الشاهد " : الحلقة الأضعف من بين أطراف هذه المعادلة في ظل العقود المبرمة مع المقاول الرئيسي بالدرجة الأولى والتي يبنى عليها ما سيتم الاتفاق عليه مع الطرف الثاني وهو المالك، اضافة الى وجود أكثر من طرف مشرف على المشروع في بعض الحالات كالاستشاري ومديري المشاريع والتي ينتج عنها التدخل على ماهية وآلية العمل بين أطراف الاتفاق من الباطن كما وتؤرق مشكلة تأخر " الدفعيات " مقاولي الباطن الذين يواجهون في الوقت ذاته انخفاضا في امكاناتهم المالية والفنية والادارية لمحدودية أعمالهم على نطاق ضيق ومتخصص،وهذا في النهاية يشكل لديهم عجزا  لتسديد نفقاتهم والتزاماتهم تجاه العمال والموردين .
بإستصحاب ماسبق نجد أننا مواجهون بضرورة البحث عن إجابات لكثير من الأسئلة والتى تتعلق بتعريف ماهية مقاول الباطن وشكل العمل الذي يؤديه ؟ ولماذا هو الأضعف في حلقة العمل الإنشائي طالما أنه ينجز أكثر من ثلثي المشروع وربما المشروع كاملاً ؟ بجانب ماهو تأثير تأخر الدفعيات والعوامل الأخرى من إرتفاع اسعار المواد وغيره في إنجاز العمل في الوقت المطلوب وبالمواصفات المطلوبة ؟ مع إستصحاب موقفه القانوني حال وجود إخفاقات في مواصفات العمل الإنشائي بالمشروع وطبيعة الخلافات التى تحدث مع الشركة الغطاء وطريقة حلها؟  إلى غيرها من الأسئلة والتى يجيب عنها هذا التحقيق التالي :
** من هو مقاول الباطن
وقبل أن نتعرف على مقاول الباطن وماهية الأعمال التى يقوم بها يجب علينا توضيح الوضع الذي يُوجد مقاول الباطن فحسب العرف السائد في أعمال الإنشاءات الحكومية فأن الشركات الكبرى تستغل تصنيفها للحصول على المشاريع الكبرى وفقاً لإمكانياتها المادية وقدرتها على إدارة تلك المشاريع   وهذا يتم بناء على مناقصة تجريها الجهة الحكومية المعنية وتتم (ترسيتها ) على تلك الشركة أو غيرها ويجرى بعد ذلك تقسيم المشروع من قبل الجهة التى رسا عليها العطاء إلى عدة اجزاء يتولى مهام العمل عليها مقاولون من الباطن متخصصون حسب نوعية العمل في الوقت الذي يتولى المقاول المصنف من الدرجة الاولى عمليات الإشراف على المشروع وإنجاز الأعمال الفنية فيه .
لكن هل تجرى الأمور كما ذكرت سابقاً ؟ هنالك إنتقاداً لاذعا لهذه الشركات يقول انها تترك مشاريعها لمقاولي الباطن في ظل بحثها عن هامش ربح أكبر بأقل جهد ممكن في ظل تضرر مقاول الباطن الذي بدوره يتساهل في مواصفات وجودة المواد الإنشائية في ظل إرتفاع كلفتها لتحقيق أكبر نسبة توفير مادية ممكنة الأمر الذي جعلنا نجلس إلى عدد مقدر منهم " فضلو حجب إسمائهم " لنجلي حقيقة هذا الواقع ..
هناك بمكتب أنيق يتوسط  طريق فرعي بأحد الأحياء الراقية بوسط الخرطوم إلتقيت بهم وإجتمعت أراؤهم على أن  : ( فكرة الباطن تقوم على إن هنالك شركة يرسي لصالحها عطاء على أساس إمتلاكها مقدرة مالية كافيه بجانب ادوات تنفيذ العمل من عمالة ماهرة إلى معدات من سقايل وخلاطات وخلافه وهذا يتضح من إنجازاتها السابقة والتى بناء عليها وعلى الأسعار التى تحددها يتم قبولها لتنفيذ المشروع ويقول أحدهم : أحياناً لاتملك هذه الشركة الكادر البشري فيقوم المقاول الأساسي بالإستعانة بمقاولين من الباطن في كل مرحلة من مراحل المشروع وهذا يؤدي في النهاية إلى إرتفاع تكلفة الإنجاز وقد يتسبب في تعطل المشروع سألتهم كيف ؟ كانت إجابة أحدهم  : أن الشركة تقوم بحساب أرباحها ويحدد المقاول الرئيسي كذلك أرباحه وتتواصل السلسلة لتشمل مقاولي الباطن العاملين في الإنشاءات والتشطيبات والسباكة والنجارة إلى غيرها من التخصصات وهذا في رأيه يرجع إلى عدم وجود شركات مقاولات شاملة لكل هذه الأنشطة وإن كان موجوداً يكون ضعيفاً مما يؤثر في المحصلة النهائية على الإيفاء بمواعيد التسليم  وفي جودة الإنشاءات ويضيف أن سوق المقاولات لايعاني من الأيدي العاملة بقدر مايعاني من مشكلة المواد وثبات السعر والتمويل فالكثير من الأعمال تتوقف لهذه الأسباب ويضيف ثالث : الشغل في الغالب مجاملات وعلاقات ويخضع لمزاج الموظف الذي قد يمنحك الصرفية أو لا وليس للإنجاز وكما هو معروف أن إجراءات الحكومة بطيئة في الوقت الذي يكون مقاول الباطن محتاجاً للمال كل خميس ليقوم بتصريف العمال وتوريد المواد.
ويتفق هؤلاء على أن شروط التعاقد المبرمة بين مقاول الباطن والمقاول الرئيسي كثيراً ماتكون مجحفة لسبب أن الباطن أقل من حيث الإمكانيات و كذلك ليس لديه خبرة في النواحي التعاقدية والقانونية والمشكلات الناتجة كتأخر الدفعيات وتحمل النفقات في ظل التأخر بجانب عدم خبرة الكثير من الاستشاريين والملاك سواء كان قطاعاً خاصاً او عاماً بالعلاقات التعاقدية وحساسيتها بين المقاول الرئيسي والمقاول من الباطن والذي يضر في معظم الأحيان بالأخير .
** تأخر الصرفيات
النقطة الأخيرة من الإفادات السابقة جعلتنا نتصل بالمهندس وليد الأمين والذي يدير مشروعاً خاصاً كمقاول رئيسي يشرف بموجبه على عدد من مقاولي الباطن فقال : نلجاً لمقاولي الباطن لتخفيف الضغط علينا في العمل فهنالك الكثير من التخصصات كمايشغل بها المساحة الفارغة بينا والعمال لأنهم في الغالب ليسوا مهندسين وإنما عمال مهرة ويذهب وليد متفقاً مع الإفادات السابقة إلى أن أغلب المشاكل في قطاع الإنشاءات وتوقفها تأتى من تأخر الصرفيات والتى تدخلهم كمقاولين في الكثير من المشاكل والتى يتصدى لجزء كبير منها مقاول الباطن الذي يتعامل بصورة مباشرة مع العمال قائلاً : ( أستطيع القيام بتسيير العمل لحد معين يصل إلى 50 % واحياناً أقوم بالخصم من أرباحي وهذا يحدث في ظل عدم وجود ضمانات وعندما أفشل في توفير المال اللازم أضطر إلى التوقف )
وفيما يخص جودة الأعمال الإنشائية وتأثرها بالجانب المالي يشير إلى أن العمل يجرى في ظل متابعة لصيقة منه ومن جانب المالك عبر الإستشاري اما فيما يخص جودة المواد فيرى أنها تخضع لطبيعة الإتفاق بين المقاول والمالك فأحياناً يكون الإتفاق توريد وتنفيذ وأحياناً يكون تنفيذ فقط يقوم المالك بتوريد المواد ففي الحالة الأولى يجب أن يتضمن العقد بنداً يلزم المالك بتحمل الذيادة في الأسعار ولايستبعد وليد ان يتضرر مقاول الباطن في ظل المشاكل التى تواجه قطاع المقاولات ككل بإعتباره الحلقة الأضعف .  
إفادة المهندس وليد الأخيرة أكدت على نقطة مهمة هي أن الوضع الذي يعايشه مقاول الباطن لاينفصل عن وضع المقاول الرئيسي الا في أنه يملك مساحة أكبر للتصرف كما انه يكون بعيداً عن الإحتكاك المباشر بالعمال مما يجعله أقل تأثراً الأمر الذي يشير إلى وجود إخفاقات كبيرة في سوق المقاولات تلقي بظلالها على قطاع عريض من العاملين فيه  وحتى نتعرف على المذيد حول هذا الأمر إلتقينا بالمهندس حسن سليمان والذي يملك شركة هندسية تعمل في مجال البناء والمقاولات يقول حسن : أن الوضع الذي يفترض أن يسود هو أن يكون هنالك قانون ينظم المقاولات وعقوداتها وان يقسم المقاولون إلى درجات من الأولى حتى الخامسة وأن تكون الشركات المتقدمة لإنجاز الأعمال لديها خبرة عملية ومقدرة مالية ومعدات ومهندسين وسيرة ذاتية لكن يرى حسن أن الواقع الآن ليس كذلك فالكثير من الأعمال تأتى من خلال العلاقات وكثير من الشركات لديها عدد كبير من السير الذاتية لمهندسين لايعملون تحت إمرتها ولكنها تستغل سيرهم الذاتية لحسابها الخاص وهذافي رأيه يؤثر على شفافية العطاءات ينبغى ان يضبط بواسطة مكتب العمل والجهة المالكة للمشروع ويضيف حسن إلى ذلك إفتقاد الكثير من المشاريع للتسلسل الموضوعي لإدارتها والتى تتطلب وجود مدير للمشروع وإستشاري تابع للمالك ومدير موقع ومهندس مقيم حتى يتم ضبط إيقاع العمل ويشير إلى ضرورة إدخال شركات التأمين من قبل المالك لضمان الرقابة على العمل حتى لايتضرر وهو أمر نادراً مايحدث ويضيف أن الكثير منها أيضاً يفتقد في عقوداته لخطوط تبين اوجه سير المشروع وتتضمن شروط رادعة للأطراف وهذا يرجع لغياب الإستشاري القانوني كجزء من الجهة الإستشارية للمالك وفيما يخص مقاول الباطن يرى بضرورة إطلاعه على كل التفاصيل والشروط من قبل المقاول الرئيسي بكل ماورد في الإتفاق الأول ويفترض أن يكون جزء من هذا الإتفاق أو يتم الإتفاق بينهما الإثنين وفي إجابته عن سؤال يتعلق بتساهل في مواصفات وجودة المواد الإنشائية قد يقع من قبل المقاولين يقول : هذا الأمر يقوم بضبطه الإستشاري فأى عمل يتم بدون إستشاري أو كان الإستشاري متساهلاً فالناتج عنه هو الغش في الجودة والمواصفات والمباني ويضيف مهما كان هنالك تاخر في الدفعيات يجب ان لاتتأثر جودة العمل بذلك ويجب أن يسير وفقاً لما رسم له بالعقد ويرى أن الدفعيات في المشاريع الحكومية تتأخر بسبة لانها ليس لديها حساب منفصل مما يجعل المؤسسة أو الجهة الحكومية تتصرف فيها حال تأخر المرتبات اوغيرها من الاسباب ويعتقد حسن أن أى تقصير سواء من جانب المقاول الرئيسي أو مقاول الباطن ينبغي أن يحاسبوا عليه قانوناً كون الأخير من الباطن لايعفيه من إلتزاماته تجاه ما يقوم به من عمل ومحاسبته حال وجود مخالفة خصوصاً وان سوق المقاولات كثر فيه الغش في المواد مما يدلل على أن هنالك كثير من الاموال المهدرة .
** ضرورة تفعيل القانون
ويتفق الأمين العام لإتحاد المقاولين الباشمهندس هشام السيد عبدالله السيد في حوار منشور بمجلة المقاول السوداني مع ماذهب إليه الباشمهندس حسن سليمان في الحوجة إلى تفعيل قانون تنظيم مهنة المقاولات من اجل تنظيم العمل في العطاءات المطروحة من قبل الدولة وتصنيف القطاع إلى درجات ذات مستويات متعددة على ضوئها يتم التعامل مع المقاولين وتصبح أساساً متيناً لصناعة المقاولات في السودان ويشير من خلال طرقه لجوانب اخرى تبرر الوضع الذي عليه المقاول السوداني بصفة عامة قائلاً : أن المقاول تواجهه عدد من المشاكل منها الضمانات البنكية والتي أصبحت تعقد بعض المشروعات عند التفكير في التقديم لها كما انها تمثل عقبة لها سلبيات تصاحب التنفيذ طوال عمر المشروع هذا بجانب مشكلة السداد ووجود المديونيات لدى بعض القطاعات الحكومية فبعض المقاولين لديهم مبالغ كبيرة مجمدة مرت عليها سنين تجاوزت كل المدد التى حددت لدفعها الأمر الذي جعلها تصبح من أهم المشاكل التى تساهم في تحطيم مقدرات المقاول الذي لايمكن ان يعمل في إنجاز مشروع ومستحقاته لم تدفع وحتى ولو أكمل إنجاز هذا المشروع ولعدة سنوات فنظام الدفعيات في معظم المشاريع لاينفذ حسب العقد ودائماً ما يضرب به عرض الحائط من قبل قطاعات لايستهان بها في الحكومة فالمقاول يحتاج لأن ترتبط هذه الدفعيات كما قال بحجم العمل المنجز حتى يتمكن من الإيفاء بتعهداته كاملة سواء الخاصة بصاحب العمل أو المواد أو أجور العاملين معه وطريقة السداد للدفعيات يجب أن يتم الإلتزام بها حسب البرمجة المتفق عليها حتى يضمن المقاول تنفيذ عمله في المشروع المعين وفي الوقت المحدد فتوقف العمل يجلب خسائر تشمل كل الأطراف بما فيها المالك نفسه .
وبإستصحاب ما سبق يجب أن نشير إلى نقطة قانونية مهمة توضح ما يجب ان تكون عليه وضعية مقاول الباطن وشكل التعاقدات التي يفترض أن يكون خصوصاً التعاقدات الحكومية يقول قاضي محكمة الإستئناف السابق والناشط الحقوقي مولانا محمد الحافظ محمود : أن مبدأ الشفافية مطلوب في التعاقدات الحكومية فأى عقد تكون الحكومة طرفاً فيه ينبغي أن يكون واضحاً في حيثياته بما في ذلك إبراز نية التعاقد من الباطن حتى لاتضيع حقوق الناس فهذا القطاع يعمل على تشغيل شريحة كبيرة من المواطنين بحسبان أن العمل من الباطن يجب أن يضمن في بنود العقد والا تعتبر المناقصة لاقية في احد بنودها فالمادة الأولى من الدستور الإنتقالي تتحدث عن الحق في المساواة ومساواة إنفاذ العقود تقتضي وضوحها والدخول فيها بشفافية كاملة والمادة 185 من الدستور نفسه تتحدث في أحد بنودها عن تبني الدولة لمبدا المساواة بين الأفراد




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم