الرصاص يسطر نهاية حكاية لم تنشر بعد


الحاج أحمد يونس ... الرصاص يسطر نهاية حكاية لم تنشر بعد

** صحف الخرطوم : بعض منسوبى الشرطة قاموا بقتل مواطن بصورة بشعة كان يجلس بهدوء أمام متجره بالكلاكلة   
** بيان الشرطة : فور تلقى البلاغ تحركت عربة النجدة الى المكان  ووجدت معتوهاً يحمل سكين ويطارد بها المواطنين
** إبن القتيل :  قبل الحادث والدي كان يؤدي عمله كالعادة داخل دكانه
** جاره : ( عم أحمد عاشرتو لي خمس سنوات زي أبوي ويوم واحد ما شفت منو شينة )

الخرطوم : نبوية سرالختم
كان مساء الأربعاء إعتيادياً بمنطقة ود عمارة وأبوآدم التي يفصل بينهما طريق إسفلت مثل حداً بين المنطقتين وإن كان في تعاملات السكان ليس له وجود ...
في هذا المساء كانت أصوات المغنيين تتصدر الأجواء التي كست المنطقة حتى من لم يدركه حضور الحفلة فقد شارك بها سماعاً وسط تلك الاصوات التى كانت تأتي تارة عالية واخرى منخفضة بحسب سرعة الرياح واتجاهها، وفجأة وعند حوالي العاشرة والنصف تماماً كنت ضمن من سمع أصوات طلقات نارية مختلطة بأصوات الغناء لم نلقى بالاً عليها وظنناها ضمن مراسيم هذا الحفل والذي كان في الأصل حفل زواج ...
لكن كان القدر يسطر غير ما توقعنا ونمنا عليه قريري العين فقد كانت الطلقات إعلاناً لمأتم لا إحتفالاً بزواج .... مأتم من ؟؟ كان سؤال وجدنا إجابته صباحاً وهو مأتم الحاج أحمد يونس أو قل الشيخ أحمد ذلك الكهل الذي يقضي كل يومه  داخل دكانه الصغير الذي يأخذ ناصية من منزله المطل على الشارع  الرئيسي يؤدي فيه عمله اليومي وهو حياكة الملابس وصوت مذياعه لايكف عن تلاوة آيات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار ... كان هذا الدكان يمثل ملتقى لأهل الحي منذ سنوات طويله بعد أداء الصلوات المفروضة وعلى وجه الخصوص صلاة المغرب حيث يجتمع الكل لديه ويتناولون كعادتهم الشاي أمام دكانه ولا ينسى كثير منهم مشاركته الوجبات المعتادة والتي قط ما تناولها داخل منزله فيدعو هذا ويدعو ذاك ولم يعرف عليه الا كل طيب ...
كنت ممن تعاملت معه كثيراً في قضاء بعض إحتياجات أسرتي وفق تخصصه وكنت كثيراً ما أشفق عليه وهو يجلس تحت ضوء مصباح خافت اللون يحاول جاهداً إدخال الخيط إلى ( إبرة ) الماكينة وكنت إدخلها له في كل مرة آتي إلى هناك وكم كنت أتذكر وقتها ان هنالك شباب مفتولي العضلات يؤثرون العطالة على القيام بأبسط مجهود في كسب العيش وامامي نموذج رغم كبر سنه يجاهد حتى آخر رمق في سبيله وكنت أستغرب وقتها انه يصبر على تحصيل خمس جنيهات او أقلها في اليوم ولا يحددها هو بل يترك للزبون أمر  تحديدها بما يستطيع دفعه ...
عموماً كان ذلك جزء مما تذكرت لحظة إخباري بأن الحاج احمد تم إغتياله على أيدي السلطات امام منزله ربما اجاب على صاحب الخبر بجزء من الأسئلة التي تجب الإجابه عليها عند كل خبر (ماذا , أين ... ) لكن لماذا قتلته السلطات كانت الإجابات تحمل العديد من الروايات غير الموثوق فيها والتي هي في طور ما لايصدقه العقل خصوصاً إذا كان المتهم فيه جهة معنيه بتأمين المواطن والحرص على سلامته فكان تبريري وقتها ان قتله تم عن طريق الخطأ لأنني حسب معرفتي بالرجل والذي يتجاوز عمره السبعين وبما يعرفه عليه الجميع قد لاتكون لديه مشاكل او عداوة مع أحد ناهيك عن السلطات ..
كان صباح اليوم التالي حداً فاصلاً لتلك الروايات حين صدرت صحف الخرطوم ناقلة خبر مفاده  : ( ان بعض منسوبي الشرطة قاموا بقتل مواطن بصورة بشعة كان يجلس بهدوء امام متجره ) فجاء في إثره بيان من شرطة ولاية الخرطوم بتاريخ 17ديسمبر يقول في نصه حسب موقع وزارة الداخلية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًاً سَدِيدًا ) صدق الله العظيم  
اوردت بعض الصحف الصادرة  يوم الجمعة 17 ديسمبر خبراً مفاده ان بعض منسوبى الشرطة قاموا بقتل مواطن بصورة بشعة كان يجلس بهدوء أمام متجره بالكلاكلة ...وهذا الخبر عارٍ تماماً من الصحة , والصحيح انه وبتاريخ اول أمس الساعة العاشرة مساء تلقت غرفة النجدة بلاغاً هاتفياً من مواطن يقيم بالكلاكلة ابوادم بوجود شخص يحمل فى يده سكين يعتدى بها على المارة وفور تلقى البلاغ تحركت عربة النجدة الى المكان ووجدت معتوهاً يحمل سكين ويطارد بها المواطنين وعند محاولة القبض عليه اصبح فى حالة من الهياج الشديد وهاجم طاقم النجدة واصاب العريف عبد الله جلاب بطعنة نافذة وعميقة الأمر الذى اضطره لاطلاق النار دفاعا عن النفسو للسيطرة على المتهم الذى توفى بعد اسعافه للمستشفى  , حيث تولت نيابة القسم الاشراف على اجراءات البلاغ تحت المادة (51) من القانون الجنائى .
ان شرطة ولاية الخرطوم تعمل وفقاً لواجباتها الدستورية ومهامها المنصوص عليها فى قانون الشرطة وقانون الاجراءات الجنائية والتى تهدف لتأمين الوطن ومواطنيه .
وقد ظللنا دائماً وابداً نذكر الاخوة القائمين على أمر الاعلام بضرورة تحرى الصدق فى تناول قضايا الجريمة بالصورة التى تتواءم مع ميثاق الشرف الصحفى الموقع بواسطة رؤساء الصحف فى سبتمبر 2009م والمهتدى بالمادة (23 -  2- بـ) والمادة (39) والمادة (48) من الدستور الانتقالى لعام 2005م والمادة (26) من قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2009م الذى  تتطلب قواعده البعد عن النشر الضار والالتزام بأخلاقيات المهنة  .
هذا وتحتفظ الشرطة بحقها فى اتخاذ كافة الاجراءات التى تكفل احقاق الحق واعادة الامور الى نصابها صونا لامن الوطن وسمعته وسيادة حكم القانون. ) إنتهى البيان
عندما قرأت هذا البيان إختلطت في رأسي الأمور فالرجل الذي وقعت عليه الحادثة هو جارنا الذي تحدثت عنه أعلاه وتحدث عنه بيان المكتب الصحفي للشرطة لكن ليس هو الرجل المعتوه الذي يتحدث عنه نفس البيان وكان يهدد الناس فلم أعرف عليه جنوناً وكذلك أهل الحي .. هكذا كنت أحدث نفسي واستنكر فقلت بيني وبين نفسي ربما مسه جنوناً فجائياً فلم أكن حضوراً لأحكم وكان يطارد بفعله الناس وهل المجنون في قانوننا يقتل وإن كان كذلك فإننا منذ إعمال هذا القانون الذي يقتل المجانين لن نحظي برؤية مجنوناً واحداً والذي تكتظ بهم منطقتنا دون سائر المناطق لم أكتفي بهذا بل توجهت إلى منزل الحاج أحمد لأعرف الحكاية من ذويه وجيرانه
إلتقيت في البداية بإبنه صديق أحمد يونس والذي قال : ( والدي يبلغ من العمر 75 عاماً يعمل ترزي في الدكان دا ( أشار له بيده ) وهو ساكن فيهو بينوم بره هو ومعاه شيخ إسمو يوسف عندو إذاعة القرآن الكريم شغالة 24 ساعة والناس بيجوا يصلوا معاه جنب الدكان ) سألته عن يوم الحادث فقال : ( في يوم الحادث والدي كان يؤدي عمله كالعادة جوه الدكان وكان الحاج يوسف نائم في السرير خارج الدكان وحوالي الساعة العاشرة والنصف جات عربية الدورية تابعه للشرطة نزل منها فرد وصحي الحاج يوسف من النوم والحاج يوسف ماقدر يتفاهم معاه لانو ما بيفهم عربي بتكلم إنجليزي فقط قام الوالد طلع بره الدكان وإستفسر من الفرد عن الحاصل شنو قام الفرد دا لزاه لبره وقع وقبل ما يستعدل كان في فرد في عربية الدورية فك فيهو مجموعة من الطلق واحدة جات في صدرو وإثنين جو في الحيطة بتاعت الدكان وجينا نحن طالعين بره من البيت بعد ما سمعنا صوت الطلقات واحد من الراكبين في الدورية قال لينا مانقرب وكان هو واقع في الفرشة بتاعت الصلاة وقلنا ليهم ارفعوه رفضوا في البداية لكن في زول كان لابس ملكي قاعد جوه العربية قال ليهم أرفعوه قاموا رفعوه وديناه لمستشفى إبراهيم مالك وفي المستشفى قالوا إتوفى وديناه المشرحة بقينا منتظرين يجوا يعملوا بلاغ لكن حتى الساعة 11,5 صباح اليوم التاني ماجاء المتحري وناس الشرطة رفضوا يفتحوا البلاغ قالوا مافي متحري ماقدرنا نصل ليه حتى الساعة 8,5 صباح اليوم التالي بعد داك طالبنا بفتح بلاغ 130 رفضوا يفتحوا البلاغ وقالوا بيمشوا حسب إجراءات القسم حتى المتحري يخلص بعد داك يفتحوا بلاغ إستمرينا ليومين في المشرحة وتقرير الطبيب الشرعي يفترض ان يسلم الأحد للنيابة )  سألته هل له أي عداوات مع أي شخص أجاب بالنفي  
توجهت إلى نسيب القتيل وهو كان حاضراً للتفاصيل الأخيرة من الحادث وكان برفقته حتى المشرحة ويدعى عبدالرحمن الفكي موسى فكانت إفادته كالآتي : ( أنا ساكن وراء بيت عمنا احمد بمسافة أربعين أو ثلاثين متر سمعت صوت الرصاص حوالي الساعة 10 ونص وكان في حفلة شغاله شرق الزلط إفتكرتو تبع الحفلة بعد شويه سمعت صوت الصياح من النساوين من جوه البيت طلعت شفت عربية الدورية واقفة في عسكري مرتكز بسلاح موجهو على الناس قال مافي زول يقرب من هنا اللحظة ديك كانت بت المرحوم قاعدة جنب والدها وقالت لي ياخال الراجل دا ضرب أبوي مشيت عليهو وهو موجه السلاح قال لي بضربك قلت ل يهو ما برجع وصلت فعلاً الدورية وكان فيها السائق وفي المقعد الأمامي شخص يرتدي الزي المدني إتكلمت معاه بإعتبارو قائد الدورية وقلت ليهو ياسعادتك أسعفو الزول دا بعد داك نشوف الحاصل شنو إفتكرت إنو ضربو في يدو ما إتكلم معاي بعد داك جو اولادو ورفعناه في العربية قلت ليهو امشي المستشفى التركي لانو أقرب العربية أخدت ليها عشرة خطوات بعد داك عكست إتجاها لإبراهيم مالك قال جاتو توجيهات من النجدة إنو يمشي إبراهيم مالك ما يمشي التركي رغم إنو المسافة لإبراهيم مالك أضعاف المسافة للتركي في الطريق قبل مانصل مستشفى إبراهيم مالك المرحوم كان فارق الحياة حولناه بأرنيك 8 للمشرحة الزول اللابس مدني إبن المرحوم إتكلم معاه قال ليهو كتلتو أبوي رد عليهو اداء واجب .. ) وواصل حديثه معي قائلاً  :هل قانون الإجراءات الجنائية او القانون الجنائي أو القوانين التكميلية أباحت قتل المعاتية إذا إفترضنا انه معتوه فإذا كانت هنالك مادة بهذا الشكل فنحن الآن على إستعداد للتنازل عن البلاغ لكن الموجود في القانون إذا ثبت الجنون على شخص إرتكب جريمة وأتضح ذلك للمحكمة يحال للمصحة وتطبق عليه المادة 48 وهي مخصصة للمعاتية وإذا إفترضنا انه معتوه فهل القانون أباح قتل المعاتية ؟؟..
كانت هنالك  الكثير من  الأسئلة التي يبحث أولياء الدم عن إجابة لها إنصرفنا عنهم باحثين عن الجيران والذين إستطلعنا أراؤهم إجملنا إفاداتهم فيما ماجاء به هؤلاء :
محمد الحافظ صاحب ورشة الصلحابي وهي تجاور دكان القتيل فقال : ( عم أحمد عاشرتو لي خمس سنوات زي أبوي واحد ما شفت منو شينة عندو راديو مشغلو 24 ساعة قرآن نحن بنصلي معاه بعض الأوقات وبناكل وبنشرب معاه جنب دكانو ما شفنا ليه عداوة مع زول كل الناس بتحبو يوم الحادث كنت نايم  )
اما  فرح آدم فقال : ( بجي بقعد معاه طوالي وبصلي معاه المغرب بطلع أكلو يوماتي أي زول ماشي في الشارع بياكل معاه ماشفنا منو غير الطيبة والإبتسامة والضحك بنجي نصلي معاه المغرب ناس بيتو بيطلعوا الشاي بنشرب معاه مافي زول في أبو آدم كلها ما بيعرفوا المنطقة بقت حزينة بعدو )
ويذهب جاره معاوية مصطفى حامد إلى القول : ( علاقتو بالجيران طيبة وعلاقتي معاه بالتحديد أكتر من أبوي حتى لو انا ماعندي قروش بيديني وما عندو غير شغلوا وصلاتو وعلاقتو الطيبة مع الناس انا ما حاضر الحادثة لكن الحادثة دي خلتني اخاف على نفسي واولادي بقيت ماحاسي بالأمان في الحلة ) .
  

 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم