الجنس الثالث داخل التغطية


الجنس الثالث داخل التغطية

تحقيق : نبوية سرالختم

هي قضية في غاية الحساسية، فقد كان الخوض فيها - ردحا من الزمن- يدخل في باب «المحظور» لكن مع رياح التغيير في المفاهيم وارتفاع درجات الوعي بين العامة، فان التعرض الى قضية «الجنس الثالث» في المجتمع، باتت موضوعا مهما، تجرى حوله البحوث والدراسات، وتعنى به المنظمات والجمعيات التي تهدف في الأساس الى الاهتمام بهؤلاء المنتمين الى ما يسمى بـ« مرض التنميط النوعي»، وذلك عبر تشخيص وعلاج وأبحاث مرض اختلال النوع «الخنثى»، وبحث سبل المعالجة والتوعية بأثاره النفسية والجسدية والاجتماعية، ووضع استراتيجيات تشخيصة وعلاجية سودانية موحدة تتماشى وتلتزم بالموروث الثقافى والاجتماعى والديني والسعى لدي الجهات الرسمية لاصدار التشريعات والقوانين التى تخدم تطبيق الموجهات الموحدة لتشخيص وعلاج التنميط النوعي.
الجنس الثالث او كما يطلق عليه « الخنثى » .. هو الانسان الذي لم يعلم أنه رجل أو امرأة ، لم يعلم أو يتحقق من ذكوريته ولا أنوثيته، اذ هل فكر أحدنا ان تكون له أخت ظاهريا فى غاية الروعة والجمال وهى فى الباطن رجل له حقوق عند سن معين يفترض أن يمارسها وكذلك الحال هو فى الظاهر رجل لكنه فى الباطن أنثى وهي لديها حقوق يفترض أن تمارسها ، وهل فكرنا يوما أن هنالك الآلاف منهم يعيشون بيننا هل فكرنا كيف يعيشون وماهو مصيرهم وحياتهم بين الناس ؟
يقول أستاذ علم النفس بجامعة النيلين الدكتور خالد ابراهيم الكردى لـ«الصحافة» : ان كل جنس لديه دور يقوم به فى الحياة يتماشى مع طبيعته البايولوجية فالرجل كما قال له دور يتماشى مع كونه رجل وكذلك المرأة ، يرى الكردى أنه تبعا لذلك يكتسب الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى هذا الدور من خلال التنشئة الأسرية وأساليب المعاملة فيها ، ويواصل دكتور الكردى قائلا : البنت تتقمص دور والدتها والولد كذلك دور الأب بكل مايعنى ذلك والذى يظهر فى الألعاب الانثوية للبنت « العرائس » والألعاب العنيفة للولد ، كل ما سبق يرى أنه يسير فى تمييز الذكر عن الانثى حتى تحدث ملاءمة للدور مع الواقع فى فترة المراهقة حيث يكتسب كما قال الكردى الهوية الجنسية من خلال عمل الغدد الجنسية وبالتالى يتم الدخول فى مرحلة جديدة وهذا يسمى بالتنميط النوعي، يقول الكردى لكن قد يحدث اختلال فى هذا التنميط الذى يتطلب ضرورة التدخل السريع لاصلاح هذا الاختلال ، فى هذه النقطة يقول عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة النيلين البروفيسور عماد فضل المولى : يعتبر مرض اختلال التنميط النوعى «الخنثى» من الامراض الاكثر تعقيدا اذ يتطلب التشخيص قدرا عاليا من التخصص والامكانيات، كما ان العلاج المثالى يتطلب وجود تخصصات مختلفة بعضها طبى مثل اختصاصات الغدد الصماء ، جراحة الاطفال ، الطب النفسى ، الجينات السريرية ، طب الاطفال ، الطب الباطنى ، النساء والتوليد ، جراحة المسالك البولية ، علم الامراض ، الاحياء الجزيئية ، وجراحة المناظير، ليس هذا فحسب بل ان التعامل الجيد يتطلب تدخل ومساعدة من تخصصات غير طبية مثل علم النفس ، القانون والشريعة والباحثين الاجتماعيين، و كما هو واضح فان التداخلات الصحية والاجتماعية والقانونية والدينية تفرض الحرص والتكامل اللصيق بين جميع هذه التخصصات، الامر الذى يرفع كلفة التشخيص والعلاج على المرضى.
«الجمعية السودانية للتنميط النوعي» ، هو اسم لشخصية اعتبارية غير ربحية تعمل لصالح هذه الفئة فى السودان تضم مجموعة من الاطباء وعلماء علم النفس ورجالات القانون وعلماء الدين، عن هذه الجمعية يقول دكتور خالد الكردي الذى يشغل منصب سكرتير لها ان هذه المجموعة أو الجمعية تهتم باصلاح هذا الخلل ، ويعلق الكردي قائلا : كلما اكتشفنا هذا الخلل باكرا كلما ساعد ذلك فى تجاوز المعاناة النفسية للفرد ، ويقول: فى الواقع نحن نتعامل مع شخصية تختلف جنسيا عن الشخصية المعروفة لدى الأسرة سميت أو سمى باسم وذبح لها أو ذبح له ، وتحتاج الى تصحيح هذا الخلل بالتدخل الجراحى ولاننسى هنا العمل النفسى لاحداث التوافق المطلوب بين الشخص والوضع الجديد قبل وبعد اجراء العملية من خلال عمل نفسى مكثف ، ويواصل الكردي قائلا : قبل العملية لابد أن يكون المريض مستعدا تماما لقبول هويته الجديدة ، وهنا نقدم له التوجيه والارشاد ليتجاوز هذه المرحلة بثبات ويقين ليس هذا فحسب بل يشمل العمل الارشادي أسرته الصغيرة من خلال جلسات تطمئن الشخص وأسرته الى اجراء العملية ، سألته عن كيف تتجاوز الجمعية التكلفة الباهظة للفحوصات واجراء العملية ؟ يقول الكردي بعد ان يكون الشاب أو الشابة مستعدا نفسيا لاجراء العملية تقدم تقارير الفحوصات والتى تجرى على حساب امكانيات أعضاء الجمعية وفى عياداتهم تقدم تقارير الفحوصات للمجموعة التى تعمل كفريق متكامل فى اجتماع يحضره كل أعضاء الجمعية من التخصصات المختلفة وبعد الاستماع لها يقرر اجراء الجراحة وبعد هذه المرحلة « أي اجراء العملية » ينتقل الفريق النفسى لمتابعة المريض أو المريضة والاطمنئان عن هل تستطيع أو يستطيع مواجهة الواقع والتعايش معه فملامح هذه المواجهة تبدو من الأول هل سيخلع الجلابية اذا كان فى ظاهره امرأة ليعيش شخصيته الحقيقية أم لا، ويرى الكردي ان كل من قامت الجمعية باجراء عمليات لهم وبلغ عددهم 15 حالة تعايشوا مع الوضع الحقيقى بعد العملية وتم استخراج بطاقات هوية لهم ومتابعة كافة الجوانب القانونية الأخرى مع الجهات الرسمية لاثبات هويتهم ، يواصل الكردي في ما يتعلق بتحمل أفراد الجمعية لتكاليف الانجاز الباهظة يقول : نحن لازلنا نعانى من بعض المشكلات المادية برغم دعم ديوان الزكاة لنا فى بعض الجوانب، ولكنه عاد ليقول : اننا نحتاج الى دعم مباشر من الجهات ذات الصلة ، خصوصا ان الحالات فى تزايد مستمر فقد أجريت 15 عملية لذكور واناث من مختلف الأعمار وتجاوز عدد المسجلين لاجراء العملية الثلاثين شخصا ، يقول الكردي ان الفحوصات الجينية مكلفة للغاية وفيها نعتمد على امكانيات البروفات فى مستشفياتهم وعياداتهم الخاصة، ويرى الكردي ان مدير مستشفى الخرطوم سمح لهم باجراء العمليات فى مستشفاه دون مقابل يخصص من خلال هذا التعامل غرفة خاصة لاقامة المريض والذى قد تطول فترة اقامته، من هنا يقول الكردي ان المجموعة تحتاج لامكانيات ضخمة لمقابلة احتياجات العلاج من فحوصات وغيره، ويرى انهم وجهوا الكثير من الرسائل منذ الانطلاقة الفعلية لعملهم فى العام 2003 وتمنى ان تجد مناشداتهم الأذن الصاغية ،خصوصا وان لهؤلاء المرضى الحق فى الحياة بشكل سوي، ووجه الكردي رسالة للامهات والقابلات وهى ضرورة الاكتشاف المبكر لمثل هذه الحالات بالفحص الدقيق للمولود ، وان يتم محاربة ختان الاناث بشكل قوي لانه كما قال يجعل فى عملية التصحيح شيئا من الصعوبة.
«الصحافة» قامت بزيارة لمستشفى الخرطوم ووقفت من خلال قسم الطب النفسى ومكتب الباحث الاجتماعي على أوضاع هذه الفئة ، حيث أكدت رئيسة قسم دعم المرضى أمانى محمد أحمد ان عمليات مرضى التنميط النوعى تجرى بالتعاون بين ادارة المستشفى و الجمعية مجانا ، وقالت تم حتى الآن بالمستشفى اجراء 4 عمليات والتى كما قالت تجرى على مراحل على حسب حالة المريض والذى يحجز فى غرفة خاصة على حساب المستشفى وقد تطول فترة اقامته فيها الى شهور، وتتحمل المستشفى بالتعاون مع الجمعية والجهات المختصة اجراءات التحويل فى الأوراق الثبوتية.
واشارت أمانى الى ان هنالك كثيرين بعد أن يأتوا الى المستشفى للعلاج يعودوا ادراجهم من حيث أتوا بسبب نظرة المجتمع.
وفى هذا الخصوص، كان حديث الخبيرة النفسية والمسؤولة بقسم الطب النفسى بالمستشفى ابتسام عمر عبد الحليم ، والتى قالت : ان الاكتشاف المبكر للمريض قبل ان يصل مرحلة البلوغ يجنبه وأسرته حرجا اجتماعيا كبيرا، وقد يواجه الشخص الذى لم يمتثل للعلاج المبكر عزل المجتمع له، اذا كان رجلا وهو فى الظاهر امرأة تظهر عليه علامات الرجولة فلا يتقبله مجتمع النساء ويشعر بغربة عنه، وكذلك الحال للمرأة فى شكل رجل، ورأت ابتسام ان هذا العزل الذى يفرضه المجتمع على «الخنثى» قد يقوده الى الانتحار أو الى التحرش جنسيا أو الاعتداء غير الواعى على الجنس الآخر ، كما قد يكون مصدرا لاشانة سمعة أسرته من خلال سلوكة المضطرب، وترى ابتسام ان العلاج النفسى لهذه الحالات عندما يقرر ان تجرى له عملية تنميط نوعى يأتى فى ثلاث مراحل وهى مرحلة ماقبل العملية فى تهيئته نفسيا وباختياره من يريد أن يكون وبتخفيف عدد من المخاوف التى يواجهها من نظرة المجتمع وخلافه، تأتي المرحلة الثانية وهى تهيئته للعملية بازالة المخاوف حول نجاحها أو فشلها وهل يستطيع بعدها ان يقوم بدوره الجنسى كاملا الى غيرها من التساؤلات التى تتم الاجابة عليها من خلال عملية ارشاد نفسى اما المرحلة الأخيرة وهى ما بعد اجراء العملية وتكون فى كيف يتقبل شخصيته الحقيقة ويقابل بها المجتمع بعد ان تساعد الجهات العاملة فى معالجتهم على دعم هذا الجانب بتوفير الهوية القانونية الأصلية بالتعاون مع الجهات العدلية والقانونية ومن هنا يتم التعامل مع هذا الشخص وكأنه ولد من جديد وتبدأ عملية ارشادية أخرى ليتوافق بين واقعه الحقيقى والسن الذى هو فيها.
ماتجدر الاشارة اليه ان من أولى أهداف هذه المجموعة السودانية للتنميط النوعى تجميع وتنظيم جهود جميع المهتمين بالاختلال فى التنميط النوعى من طلاب الكليات العلمية والاطباء واختصاصيي علم النفس وعلماء الدين والباحثين الاجتماعيين والبيولوجيين والبيوكيمايين والقانونين أو أي تخصصات اخرى تصب فى جهود تشخيص وعلاج وأبحاث مرض اختلال النوع «الخنثى» وسبل معالجتها والتوعية باثارها النفسية والجسدية والاجتماعية، ويرى من خلال المساهمة والتعاون مع الجمعيات العلمية التخصصية والمنظمات الطبية المعنية لوضع استراتيجيات تشخيصية وعلاجية سودانية موحدة تتماشى وتلتزم بالموروث الثقافى والاجتماعى والدينى والسعى لدي الجهات الرسمية لاصدار التشريعات والقوانين التى تخدم تطبيق الموجهات الموحدة لتشخيص وعلاج التنميط النوعى.
وكذلك المساهمة فى تنظيم وتشجيع وتمويل البحوث العلمية فى جميع مجالات أمراض الخنثى وما يتعلق بها من مناشط أخرى مثل لجان اخلاقيات البحث العلمى، وما الى ذلك وخلق وتنمية وتطوير سبل التعاون مع الجهات الرسمية والمنظمات والجمعيات العلمية فى السودان، وجميع دول العالم لخدمة المرضى وتقديم الدعم النفسى والمادى لهم ولاسرهم المساهمة فى تنظيم الندوات العلمية والحلقات الدراسية والكورسات وورش العمل والمؤتمرات العلمية التى تناقش كل المواضيع المتعلقة بمرضى التنميط النوعى وتعمل على اصدار دورية متخصصة تعنى بنشر البحوث والمقالات والكتيبات التعريفية بالاضافة الى البرامج الاذاعية والتلفزيونية التى تناقش مشاكل مرض التنميط النوعى ، والمساهمة فى اذكاء روح التعاون والبحث العلمى والبرامج البحثية المشتركة بين الباحثين من التخصصات المختلفة والمساعدة فى ايجاد الموارد المالية لاجراء البرامج البحثية وتوفير الدعم المهنى والعلمى متى ما طلب منها ذلك مع توفير التشخيص والرعاية النفسية للمرضى واسرهم.






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم