قضايا النسب .. دفن الرؤوس في الرمال (2-2)




قضايا النسب .. دفن الرؤوس في الرمال    (2-2)

تحقيق : نبوية سرالختم
إبن من هذا ؟ سؤال كثيراً ماتحتاج المحاكم الشرعية لإثباته أونفيه عن رجل يدعي أن المنسوب أو المنسوبة له (.... ) ليس إبنه أو إبنته من صلبه وتلجأ بعدها تلك المحاكم بعد سماع الإدعاء إلى وسائل الإثبات التقليدية ( حسب الشريعة ) والمقروءة بقانون الأحوال الشخصية وتجري ( الملاعنة ) بعد الإثبات أوالنفي ومن ثم التفريق بين الزوجين دون وضع عقوبة تمنع المترتبات اللاحقة من الإنكار سواء في جوانبها النفسية او الإجتماعية .
على هذه الطريقة تسير المحاكم في حكمها بتلك القضايا لعقود متطاولة دون أن تلقي بالاً للتطور الذي يمكن ان يعينها في أحوال الإثبات بدلائل قاطعة الدلالة دون حوجة للوسائل التقليدية .. فالتطور الذي نحن بصدده في وسائل الإثبات التي نعنيها ليس وليد اليوم ولكن أخذت به الشريعة الإسلامية من قبل على يد مشرعها (صلى الله عليه وسلم ) ويذكر في حديث الفزاري الذي جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريد نفي ولده لوجود إختلاف بينهما في لون البشرة . قال الفزاري : إن امراتي وضعت ولداً أسود وإني أنكره فقال له عليه الصلاة والسلام : هل لك من إبل ؟ قال : نعم  قال : مالونها ؟ , قال : حُمر , قال : هل فيها أورق ؟ قال : نعم  قال : فأنى له ذلك : قال لعله نزعة عرق . قال عليه الصلاة والسلام : فلعل إبنك هذا نزعة عرق ) ونزعة العرق هي علم الجينات أي الحمض النووي الذي يكشف القرابات وهي ما يعرف عند العلماء بالجينات المتنحية التي تظهر في أجيال لاحقة فوقف قانون مندل للوراثة فإن المولود يأخذ نصف صفاته من أبيه ونصف من امه فإذا تزوج ابنة عمه فإن المولود قد يأخذ 50% من صفات ابيه و40% من أمه و10% من جده العاشر إذ كان الزوجين أصلهم من جد واحد أما إذا كان الأصل ليس مشتركاً فإن المولد لايأخذ من الصفات الا ماكان في امه وابيه فقط ولايأخذ أي صفة وراثية عن الأجداد .
في هذا التحقيق والخاص بإثبات أو نفي النسب نكشف تفاصيل عن الحمض النووي (DNA) أو ما يعرف بالبصمة الوراثية وهل يمكن إعتباره دليل نفي أو إثبات يكاد يكون قاطع الدلالة  , وهل هناك أي سلبيات أو قيود لإستخدامها امام المحاكم الشرعية للفصل في مثل هذه القضايا خصوصاً بعد نجاحها في إثبات العديد من القضايا الجنائية لما لها من مميزات تجعلها تتفوق كثيراً على الأدلة التقليدية كبصمات الأصابع وفصائل الدم بجانب هل يمكن ان يحل الإثبات عن طريقه محل اللعان ومترتباته ؟ إلى غيرها من الأسئلة .

 _______________________________________

الحمض النووي .. الشاهد الصامت

** إحتمال التشابه  بين البشر في البصمة الوراثية قد يصل إلى واحد بين كل عدة بلايين
** الحمض النووي فحص فعلي لسوائل وأنسجة الجسم لذلك يمثل دليل مباشر لاقرينة
** الفريق الأول : تقنية البصمة الوراثية يمكن من خلالها الجزم بإثبات أو نفي البنوة دون تأثير العواطف
** الفريق الثاني : عدم جواز تقديم الأدلة العلمية كالبصمة الوراثية على طرق تثبت بنصوص شرعية صحيحة
** ترجيح : البصمة الوراثية إضافة للأدلة الشرعية المقرر كونها ثابتة بالسنة الشريفة
في هذه الحلقة الثانية والأخيرة نناقش أهمية إستخدام الحمض النووي في قضايا النسب من ناحية علمية وإختلاف الفقهاء حول إستخدامه كدليل من الأدلة الشرعية وإمكانية حلوله محل اللعان وغيرها من الأشياء يقول قاضي المحكمة العليا وعضو مجمع الفقة الإسلامي بالسودان والخبير بمجمع الفقة الإسلامي العالمي دكتور إبراهيم أحمد عثمان في ورقة عن : ( دور البصمة الوراثية في قضايا إثبات النسب والجرائم الجنائية ) – قدمها في المؤتمر العربي الأول لعلوم الادلة الجنائية والطب الشرعي في نوفمبر2007  : ( من الناحية العلمية تعتبر البصمة الوراثية دليل نفي أو إثبات تكاد تكون قاطعة , وليس هناك أي سلبيات أو قيود – بشرط  أن يتم التحليل بطريقة سليمة – لإستخدام البصمة الوراثية امام المحاكم للفصل في العديد من القضايا المدنية او الجنائية لما لها من مميزات تجعلها تفوق كثيراً الأدلة التقليدية كبصمات الأصابع وفصائل الدم . فإحتمال التشابه  بين البشر في البصمة الوراثية قد يصل إلى واحد كل عدة بلايين , بعكس الفصائل الدموية التي تعتبر دليل نفي فقط لإحتمال التشابه  بين البشر في هذه الفصائل . وعن التكييف الشرعي يقول : أن نتائج تحليل الحمض النووي دليل من الادلة الشرعية وبالتالي حجة تبنى عليها الأحكام بدليل الرسول (ص) هو اول من تحدث عن خصائص البصمة الوراثية والحمض النووي , وذلك في حديث الفزاري .
وحول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب يقول : إختلفت أراء الفقهاء المعاصرين يرى بعضهم أن البصمة الوراثية قرينة قطعية بنسبة 100% وذهب الآخرون إلى أنها قرينة ظنية وهنا يقول : أن نتائج الفحص ليست قرينة وإنما بينة مباشرة ذلك ان القرينة تعني إصطلاحاً في القانون إستنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة أو هي إستنتاج واقعة لادليل من واقعة قام دليل عليها .
فهل الحمض النووي واقعة مجهولة مستنبطة من واقعة معلومة ؟ يقول : بالتأكيد لا فالحمض النووي هو فحص فعلي لسوائل وأنسجة جسم الإنسان مباشرة فهو دليل مباشر لاقرينة .
وعن موقع البصمة الوراثية من الادلة الشرعية يقول : إنقسم العلماء المعاصرون حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب فقد ذهب بعضهم إلى تقديمها على الأدلة الشرعية المذكورة والآخر إلى عدم تقديمها عليها .
ذهب الفريق الأول إلى أن البصمة الوراثية أقوى بكثير من القرائن بل حتى من الشهادة التي تمثل الصدق والكذب وحتى من الإقرار بل انها تصلح لتكون مانعاً من قبول طرق الإثبات التقليدية دون العكس ذلك ان البصمة الوراثية دليل مادي يعتمد العلم والحس ويقوم على التسجيل الذي لايقبل العود والإنكار بخلاف غيرها الذي يعتمد على الذمم ولايقبل العود والإنكار وقالوا عن الإقرار أنه كما بينت كثير من الوقائع يعد سيد الادلة فهنالك من الحالات التي لايتفق فيها إقرار المتهم مع مايتوفر من ادلة وكثير ماترد المحكمة هذه الأنواع من الإعتراف كقيام الإعتراف على إكراه مثلاً او محاباة أو لدرء ضرر وقالوا أن الإقرار من المؤشرات التخمينية التي لايمكن قياس درجة الصدق وقوة الإيمان فإنه لايمكن قياس الإقرار في إثبات النسب وما ينطبق على الإقرار ينطبق على الشهادة فيمكن إستغلال الشهود في عملية الإستحلاف لأغراض دنيوية كالحصول على جنسية الدولة وهذا امر شائع بخلاف الادلة المادية والتي تسمى بالشاهد الصامت تعتمد على قواعد علمية وثابته فتقنية البصمة الوراثية يمكن من خلالها الجزم بإثبات أو نفي البنوة دون تأثير العواطف وقالوا ان وسائل إثبات النسب ليست اموراً تعبدية حتى نتحرج من تأخيرها بعد ظهور البصمة الوراثية نعمة الله تعالى ولن نهملها في الحقيقة لأنها حيلة المقل فإذا لم تتيسر الإمكانات لتعميم البصمة الوراثية فليس امامنا بد من الإستمرار في تلك الوسائل الشرعية المعروفة .
أما الفريق الثاني فذهب إلى عدم جواز تقديم الأدلة العلمية كالبصمة الوراثية على طرق تثبت بنصوص شرعية صحيحة كالشهادة والإقرار والبينة واحتجوا لرأيهم هذا بأن الشهادة عند جمهور العلماء ليست قولاً في الإثبات نقصيه وإنما هي أحدى وسائل الإثبات والحجج القضائية المظهره للحق قام على إعتبارها والإعتداد بها نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة على ان الشهادة حجة مشروعة وكذلك طرق الإثبات الأخرى كالإقرار والبينة والفراش وقد اجمعت عليها الامة منذ عهد النبي (ص) إلى يومنا هذا
واضافوا : كيف يسوغ ان تتقدم عليها البصمة الوراثية التي لاتزال حتى الآن في طور التجربة والإختبار ويعترف الخبراء بإحتمال أن تعتريها الخلل من الناحية الفنية أثناء إجراء التحليل ومن ثم لم يتفق عليها حتى محاكم الدول التي إكتشفتها وفضلاً عن ذلك فإن الشارع ينفيه الا بأقوى الأسباب وهو اللعان لان القول بتقديم البصمة الوراثية على طرق الإثبات الشرعية يؤدي إلى هدم امر مجمع عليه بين العلماء في كافة العصور والأزمان والشهود يعطون ظناً غالباً بصدق ما يشهدون به واستدل هذا الفريق بما قاله إبن تيمية : إن تطرق الخطأ إلى أراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الادلة الشرعية فإن الادلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر ورأي العالم والدليل الشرعي يمتنع ان يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر ورأي العالم ليس كذلك وحول ماذهب إليه الفرق الأول من ان هذه الادلة الشرعية التقليدية ليست تعبدسة قالوا أن هذا القول ليس صحيحاً ذلك  ان أغلب احكام الشرع جاءت بها الشريعة الإسلامية تعبدية كإستقبال الناس القبلة وهذا امر تعبدي وقصر الصلاة أثناء السفر ولبس الأحرام وأشهره المعلومات
يقول : إن ماذهب إليه الفريق الثاني من ان الأخذ بدليل البصمة الوراثية وهدم الادلة الثابتة بالكتاب والسنة قول غير دقيق فإن ماذهب إليه الفريق الأول إنما هو إضافة دليل شرعي للأدلة الشرعية المقررة ثم ترجيح بين الأدلة عن الاخذ بها والبصمة الوراثية كدليل شرعي ثابت بالسنة الشريفة عندما أثبت ولد الفزاري إذن هذا دليل من الادلة الشرعية المقررة بالسنة النبوية وليس صحيحاً ماذهب إليه الفريق الثاني أن نتائج البصمة الوراثية مشكوك فيها بل العكس فإن المحاكم في الدول الغربية تعتمد على البصمة الوراثية كدليل قاطع ماذهب إليه إبن تيمية لايقوم حجة للفريق الثاني لانه يتحدث عن إجتهادات الفقهاء في الأحكام الشرعية مقابل الأدلة الشرعية .
والبصمة الوراثية ليست إجتهاد بشر وإنما علم يقوم على قواعد ثابته في خلق الله وابن تيمية لايعني بعبارة الادلة الشرعية وسائل الإثبات وإنما يعني نصوص الشريعة من القرآن والسنة وغريب قياس أدلة الإثبات الشرعية على القبلة والقصر في الصلاة والإحرام في الحج فهذه من الامور لاتتم العبادة الا بها ولاينطبق ذلك على ادلة إثبات شرعية .
مايعنيه علماء الفريق الأول أن البصمة الوراثية دليل من الأدلة الشرعية في الإثبات كالشهادة والإقرار ولاخلاف ان الشهادة دليل ظني ولكن حفاظاً لحقوق العباد فإنها دليل إثبات شرعاً ونتائج فحص البصمة الوراثية شهادة اجسامهم عليهم إذ يشهد الشاهد الصامت وهو دمه وسوائله أو أنسجة جسده حسب الحال
وعن موقع البصمة الوراثية من اللعان يقول : إنقسم الفقهاء المعاصرون حول موقف البصمة الوراثية من اللعان ومدى حجتها في نفي النسب إلى ثلاث فرق :
الفريق الأول : يرى أن البصمة الوراثية تحل محل اللعان لأن نتائجها يقينية إذا أثبتت أن الولد ليس من الزوج فينتفي من الزوج بالبصمة الوراثية دون اللعان لأن اللعان إستثناء وليس قاعدة .
وفي ذلك يقول الدكتور سعد الدين الهلالي : ( ان اللعان انما يدفع الحد عن الزوجة لإحتمال أن يكون حملها بسبب وطء أو شبة وينحصر دور اللعان بالنسبة للزوج إذا كان معه فإن كان مع الزوج فلاوجه للعان أي (ينفي الولد بالبصمة الوراثية ) وإن كان ضد الزوج وجب عليه حد القذف ولايكون اللعان إلا لتدرا الزوجة عن نفسها حد الزنى .
يقول دكتور نصر فريد : ( إذا جاءت البصمة الوراثية واثبتت نسب الطفل إلى الزوج فإنه لاينفي نسب للزوج حتى لو لاعن الزوج لأن الشارع يتشوق إلى إثبات النسب وإن نتائج البصمة الوراثية دقيقة ويقينية فقد يكون باعث الزوج الكبير لزوجته .
الفريق الثاني : يرى ان البصمة الوراثية لاتقدم على اللعان ولايجوز ان تمنع اللعان ولاتستخدم لنفي النسب وإنما يكون الإعتماد عليها للتقليل من حالات اللعان إذا إطمان الزوج لذلك وهذا ماأقره مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة .
الفريق الثالث : يرى لها مرتبة اللعان ولكن بصفة ودية ولاتلغي اللعان ولكن اللعان يلحق بها .
وقد إستدل أصحاب  الفريق الأول عندهم بان الزوج يلجأ إلى اللعان لنفي النسب عند فقد من يشهد له بما رمى به زوجته من ان الحمل ليس منه وهذا معنى قوله تعالى : (ولم يكن لهم من الشهداء إلا أنفسهم ) ومع هذا التقدم العلمي في هذا الميدان لم يبق الزوج وحيداً لاسند له بل أصبح له شاهد وهو البصمة الوراثية .
وقد إعترض على هذا الإستدلال بانه لايمكن إعتبار البصمة الوراثية شاهد بحال من الاحوال نعم لوكانت الآية وردت فيها كلمة (بينة) مكان ( الشهداء) لكان هذا الرأي نوع من التوجيه .
وأستدل أصحاب الرأي الثاني بقوله تعالى : ( وماكان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ووجه الإستدلال أن القول بأن البصمة الوراثية تحل محل اللعان وهو حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة يكون فيه تخيير في النصوص الشرعية وهذا لايجوز .
واستدلوا بحديث الرسول (ص) : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر) وإستدلالهم أنه طالما ثبت الفراش فلايعارضه الا أقوى منه وهو اللعان وبالتالي لامجال للبصمة الوراثية في الحيلولة دون وقوع اللعان .
بعد عرض هذه الأراء وأدلتهم فهو يرى إن الراجح في تقديره هو الرأي الأول إذ أن اللعان إستثناء من القاعدة .أي لعدم وجود دليل إثبات لدعوى الزوج والبصمة الوراثية دليل قاطع يقينية لامجرد نظرية قابلة للتعديل كما ذهب إليه أصحاب الفريق الثاني




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ضحايا الإتجار بالبشر من لهم إسماعيل وأسرته ... أكثر من 17 عاماً في سجن الكفيل(3-3)

مسلسل إغتيال الأراضي الزراعية بولاية الخرطوم

السودان ... العنف الجنسي يتخلل اكبر عملية نزوح على مستوى العالم